طلب « فعل » لا طلب « افعل » وهو ظاهر.
وثالثا : أن السياق لا يلائم هذا المعنى إذ لو كان معنى قولهم : « هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ » إنه هل يرضى ربك أن نسأله نحن أو تسأله أنت أن ينزل علينا مائدة من السماء ، وكان غرضهم من هذا السؤال أو النزول أن يزدادوا إيمانا ويطمئنوا قلبا فما وجه توبيخ عيسى (عليهالسلام) لهم بقوله : « اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ »؟ وما وجه وعيده تعالى الكافرين بها بعذاب لا يعذبه أحدا من العالمين ، وهم لم يقولوا إلا حقا ولم يسألوا إلا مسألة مشروعة ، وقد قال تعالى : « وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ » : النساء : ٣٢.
قوله تعالى : « قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » توبيخ منه (عليهالسلام) لهم لما يشتمل عليه ظاهر كلامهم من الاستفهام عن استطاعة ربه على إنزال المائدة فإن كلامهم مريب على أي حال.
وأما على ما قدمناه من أن الأصل في مؤاخذتهم الذي يترتب عليه الوعيد الشديد في آخر الآيات هو أنهم سألوا آية حيث لا حاجة إليها واقترحوا بما في معنى العبث بآيات الله سبحانه ، ثم تعبيرهم بما يتبادر من ظاهره كونهم كأنهم لم يعقدوا قلوبهم على القدرة الربوبية فوجه توبيخه (عليهالسلام) لهم بقوله : « اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » أظهر.
قوله تعالى : « قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ » السياق ظاهر في أن قولهم هذا عذر اعتذروا به للتخلص من توبيخه (عليهالسلام) وما ذكروه ظاهر التعلق باقتراحهم الآية بنزول المائدة دون ما يظهر من قولهم : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ) » ، من المعنى الموهم للشك في إطلاق القدرة ، وهذا أيضا أحد الشواهد على أن ملاك المؤاخذة في المقام هو أنهم سألوا آية على آية من غير حاجة إليها.
وأما قولهم : « (نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها) ، إلخ » فقد عدوا في بيان غرضهم من اقتراح الآية أمورا أربعة :
أحدها : الأكل وكان مرادهم بذكره أنهم ما أرادوا به اللعب بآيات الله بل