أي لا ينبغي أن يتوهم على متوهم أن قريحتي كلت أو أن الحوادث أعيتني أن أقول من الشعر ما كنت أقوله فشعري الذي أقول اليوم هو شعري الذي كنت أقوله بالأمس.
وأما قوله تعالى : « وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ » فليس يجري فيه مثل هذه العناية فإن الرسالة التي هي مجموع الدين أو أصله على تقدير نزول الآية في أول البعثة أمر واحد غير مختلف ولا متغير حتى يصح أن يقال : إن لم تبلغ هذه الرسالة فما بلغت تلك الرسالة أو لم تبلغ أصل الرسالة فإن المفروض أنه أصل الرسالة التي هي مجموع المعارف الدينية.
فقد تبين أن الآية بسياقها لا تصلح أن تكون نازلة في بدء البعثة ويكون المراد فيها بما أنزل إلى الرسول صلىاللهعليهوآله مجموع الدين أو أصله ، ويتبين بذلك أنها لا تصلح أن تكون نازلة في خصوص تبليغ مجموع الدين أو أصله في أي وقت آخر غير بدء البعثة فإن الإشكال إنما ينشأ من جهة لزوم اللغو في قوله تعالى : « وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ » كما مر.
على أن قوله : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » لا يلائم النزول في أي وقت آخر غير بدء البعثة على تقدير إرادة الرسالة بمجموع الدين أو أصله ، وهو ظاهر.
على أن محذور دلالة قوله : « وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » على أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يخاف الناس في تبليغه على حاله.
فظهر أن ليس هذا الأمر الذي أنزل على النبي صلىاللهعليهوآله وأكدت الآية تبليغه هو مجموع الدين أو أصله على جميع تقاديره المفروضة ، فلنضع أنه بعض الدين ، والمعنى :بلغ الحكم الذي أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته « إلخ » ، ولازم هذا التقدير أن يكون المراد بالرسالة مجموع ما حمله رسول الله صلىاللهعليهوآله من الدين ورسالته ، وإلا فالمحذور السابق وهو لزوم اللغو في الكلام على حاله إذ لو كان المراد بقوله : « رِسالَتَهُ » الرسالة الخاصة بهذا الحكم كان المعنى : بلغ هذا الحكم وإن لم تبلغه فما بلغته ، وهو لغو ظاهر.
فالمراد أن بلغ هذا الحكم وإن لم تبلغه فما بلغت أصل رسالته أو مجموعها ، وهو معنى صحيح معقول ، وحينئذ يرد الكلام نظير المورد الذي ورده قول أبي النجم : « أنا أبو النجم وشعري شعري ».