النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) » : آل عمران : ١٧٣.
وليس من الجائز أن يقال : إنه صلىاللهعليهوآله كان يخاف على نفسه أن يقتلوه فيبطل بذلك أثر الدعوة وينقطع دابرها فكان يعوقه إلى حين ليس فيه هذه المفسدة فإن الله سبحانه يقول له صلىاللهعليهوآله : « لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ » : آل عمران : ١٢٨ ، لم يكن الله سبحانه يعجزه لو قتلوا النبي صلىاللهعليهوآله أن يحيي دعوته بأي وسيلة من الوسائل شاء ، وبأي سبب أراد.
نعم من الممكن أن يقدر لمعنى قوله : « وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » أن يكون النبي صلىاللهعليهوآله يخاف الناس في أمر تبليغه أن يتهموه بما يفسد به الدعوة فسادا لا تنجح معه أبدا فقد كان أمثال هذا الرأي والاجتهاد جائزا له مأذونا فيه من دون أن يرجع معنى الخوف إلى نفسه بشيء.
ومن هنا يظهر أن الآية لم تنزل في بدء البعثة كما يراه بعض المفسرين إذ لا معنى حينئذ لقوله تعالى : « وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » إلا أن يكون النبي صلىاللهعليهوآله يماطل في إنجاز التبليغ خوفا من الناس على نفسه أن يقتلوه فيحرم الحياة أو أن يقتلوه ويذهب التبليغ باطلا لا أثر له فإن ذلك كله لا سبيل إلى احتماله.
على أن المراد بما أنزل إليه من ربه لو كان أصل الدين أو مجموعة في الآية عاد معنى قوله : « وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ » إلى نحو قولنا : يا أيها الرسول بلغ الدين وإن لم تبلغ الدين فما بلغت الدين.
وأما جعله من قبيل قول أبي النجم :
أنا أبو النجم وشعري شعري.
كما ذكره بعضهم أن معنى الآية : وإن لم تبلغ الرسالة فقد لزمك شناعة القصور في التبليغ والإهمال في المسارعة إلى ايتمار ما أمرك به الله سبحانه ، وأكده عليك كما أن معنى قول أبي النجم : إني أنا أبو النجم وشعري شعري المعروف بالبلاغة المشهور بالبراعة.
فإن ذلك فاسد لأن هذه الصناعة الكلامية إنما تصح في موارد العام والخاص والمطلق والمقيد ونظائر ذلك فيفاد بهذا السياق اتحادهما كقول أبي النجم : شعري شعري