وكان صلىاللهعليهوآله ينصب الولاة الحكام في ما بيد المسلمين من البلاد كمكة والطائف واليمن وغيرها ، ويؤمر رجالا على السرايا والجيوش التي يبعثها إلى الأطراف ، وأي فرق بين زمان حياته وما بعد مماته دون أن الحاجة إلى ذلك بعد غيبته بالموت أشد ، والضرورة إليه أمس ثم أمس.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » خاطبه صلىاللهعليهوآله بالرسالة لكونها أنسب الصفات إلى ما تتضمنه الآية من الأمر بالتبليغ لحكم الله النازل فهو كالبرهان على وجوب التبليغ الذي تظهره الآية وتقرعه سمع رسول الله صلىاللهعليهوآله فإن الرسول لا شأن له إلا تبليغ ما حمل من الرسالة فتحمل الرسالة يفرض عليه القيام بالتبليغ.
ولم يصرح باسم هذا الذي أنزل إليه من ربه بل عبر عنه بالنعت وأنه شيء أنزل إليه ، إشعارا بتعظيمه ودلالة على أنه أمر ليس فيه لرسول الله صلىاللهعليهوآله صنع ، ولا له من أمره شيء ليكون كبرهان آخر على عدم خيرة منه صلىاللهعليهوآله في كتمانه وتأخير تبليغه ، ويكون له عذرا في إظهاره على الناس ، وتلويحا إلى أنه صلىاللهعليهوآله مصيب في ما تفرسه منهم وتخوف عليه ، وإيماء إلى أنه مما يجب أن يظهر من ناحيته صلىاللهعليهوآله وبلسانه وبيانه.
قوله تعالى : « وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ » المراد بقوله : « رِسالَتَهُ » وقرئ « رسالاته » كما تقدم مجموع رسالات الله سبحانه التي حملها رسوله صلىاللهعليهوآله ، وقد تقدم أن الكلام يفيد أهمية هذا الحكم المرموز إليه ، وأن له من المكانة ما لو لم يبلغه كأن لم يبلغ شيئا من الرسالات التي حملها.
فالكلام موضوع في صورة التهديد ، وحقيقته بيان أهمية الحكم ، وأنه بحيث لو لم يصل إلى الناس ، ولم يراع حقه كان كأن لم يراع حق شيء من أجزاء الدين فقوله : « وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ » جملة شرطية سيقت لبيان أهمية الشرط وجودا وعدما لترتب الجزاء الأهم عليه وجودا وعدما.
وليست شرطية مسوقة على طبع الشرطيات الدائرة عندنا فإنا نستعمل « إن » الشرطية طبعا فيما نجهل تحقق الجزاء للجهل بتحقق الشرط ، وحاشا ساحة النبي صلىاللهعليهوآله من أن يقدر القرآن في حقه احتمال أن يبلغ الحكم النازل عليه من ربه وأن لا يبلغ ،