وقد قال تعالى : « اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » : « الأنعام ـ ١٢٤ ».
فالجملة أعني قوله : « وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ » (إلخ) ، إنما تفيد التهديد بظاهرها وتفيد إعلامه عليهالسلام وإعلام غيره ما لهذا الحكم من الأهمية ، وأن الرسول معذور في تبليغه.
قوله تعالى : « وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ » قال الراغب : العصم (بالفتح فالسكون) الإمساك والاعتصام الاستمساك ـ إلى أن قال ـ والعصام (بالكسر) ما يعتصم به أي يشد ، وعصمة الأنبياء حفظه إياهم أولا بما خصهم به من صفاء الجوهر ، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية ، ثم بالنصرة وبتثبيت أقدامهم ، ثم بإنزال السكينة عليهم وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق قال تعالى : « وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ».
والعصمة شبه السوار ، والمعصم موضعها من اليد ، وقيل للبياض بالرسغ عصمة تشبيها بالسوار ، وذلك كتسمية البياض بالرجل تحجيلا ، وعلى هذا قيل : غراب أعصم ، انتهى.
وما ذكره من معنى عصمة الأنبياء حسن لا بأس به غير أنه لا ينطبق على الآية « وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » بل لو انطبق فإنما ينطبق على مثل قوله : « وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً » : « النساء : ١١٣ ».
وأما قوله : « وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » فإن ظاهره أنها عصمة بمعنى الحفظ والوقاية من شر الناس المتوجه إلى نفس النبي الشريفة أو مقاصده الدينية أو نجاح تبليغه وفلاح سعيه ، وبالجملة المعنى المناسب لساحته المقدسة.
وكيف كان فالمتحصل من موارد استعمال الكلمة أنها بمعنى الإمساك والقبض فاستعماله في معنى الحفظ من قبيل استعارة اللازم لملزومه فإن الحفظ يلزمه القبض.
وكان تعليق العصمة بالناس من دون بيان أن العصمة من أي شأن من شئون الناس كتعدياتهم بالإيذاء في الجسم من قتل أو سم أو أي اغتيال ، أو بالقول كالسب والافتراء ، أو بغير ذلك كتقليب الأمور بنوع من المكر والخديعة والمكيدة وبالجملة