السكوت عن تشخيص ما يعصم منه لإفادة نوع من التعميم ، ولكن الذي لا يعدو عنه السياق هو شرهم الذي يوجب انقلاب الأمر على النبي صلىاللهعليهوآله بحيث يسقط بذلك ما رفعه من أعلام الدين.
والناس مطلق من وجد فيه معنى الإنسانية من دون أن يعتبر شيء من خصوصياته الطبيعية التكوينية كالذكورة والأنوثة أو غير الطبيعية كالعلم والفضل والغنى وغير ذلك. ولذلك قل ما ينطبق على غير الجماعة ، ولذلك أيضا ربما دل على الفضلاء من الإنسان إذا كان الفضل روعي فيه وجود معنى الإنسانية كقوله تعالى : « إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ » أي الذين وجد فيهم معنى الإنسانية ، وهو ملاك درك الحق وتمييزه من الباطل.
وربما كان دالا على نوع من الخسة وسقوط الحال ، وذلك إذا كان الأمر الذي يتكلم فيه مما يحتاج إلى اعتبار شيء من الفضائل الإنسانية التي اعتبرت زائدة على أصل معنى النوع كقوله : « وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » : « الروم : ٣٠ » وكقولك : لا تثق بمواعيد الناس ، ولا تستظهر بسوادهم نظرا منك إلى أن الوثوق والاستظهار يجب أن يتعلقا بالفضلاء من الإنسان ذوي ملكة الوفاء بالعهد والثبات على العزيمة لا على من ليس له إلا مجرد صدق اسم الإنسانية ، وربما لم يفد شيئا من مدح أو ذم إذا تعلق الغرض بما لا يزيد على أصل معنى الإنسانية كقوله تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ » : « الحجرات : ١٣ ».
ولعل قوله : « وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » أخذ فيه لفظ الناس اعتبارا بسواد الأفراد الذي فيه المؤمن والمنافق والذي في قلبه مرض ، وقد اختلطوا من دون تمايز ، فإذا خيف خيف من عامتهم ، وربما أشعر به قوله : « إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ » فإن الجملة في مقام التعليل لقوله : « وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » وقد تقدم أيضا أن الآية نزلت بعد الهجرة وظهور شوكة ، الإسلام وكان السواد الأعظم من الناس مسلمين بحسب الظاهر وإن كان فيهم المنافقون وغيرهم.
فالمراد بالقوم الكافرين قوم هم في الناس مذكوري النعت ممحوي الاسم وعد الله سبحانه أن يبطل كيدهم ويعصم رسوله صلىاللهعليهوآله من شرهم.