وكيف كان فالآية على هذا التقدير تنفي عن المسيح وأمه معا الألوهية بأن المسيح كان رسولا كسائر الرسل ، وأمه كانت صديقة ، وهما معا كانا يأكلان الطعام ، وذلك كله ينافي الألوهية.
وفي قوله تعالى : « قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ » حيث وصف الرسل بالخلو من قبله ، وهو الموت تأكيد للحجة بكونه بشرا يجوز عليه الموت والحياة كما جاز على الرسل من قبله.
قوله تعالى : « انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ » الخطاب للنبي ، ص وهو في مقام التعجيب أي تعجب من كيفية بياننا لهم الآيات ، وهو أوضح بيان لأظهر آية في بطلان دعواهم ألوهية المسيح ، وكيفية صرفهم عن تعقل هذه الآيات ؛ فإلى أي غاية يصرفون عنها ، ولا تلتفت إلى نتيجتها ـ وهي بطلان دعواهم ـ عقولهم؟.
قوله تعالى : « قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » كان الخضوع لأمر الربوبية إنما انتشر بين البشر في أقدم عهوده ، وخاصة بين العامة منهم ـ وعامتهم كانوا يعبدون الأصنام ـ طمعا في أن يدفع الرب عنهم الشر ويوصل إليهم النفع كما يتحصل من الأبحاث التاريخية ، وأما عبادة الله لأنه الله عز اسمه فلم يكن يعدو الخواص منهم كالأنبياء والربانيين من أممهم.
فأمر الله سبحانه رسوله أن يخاطبهم خطاب البشر الساذج الجاري على ما تلهمه فطرته الساذجة في عبادة الله كما خاطب الوثنيين وعباد الأصنام بذلك فيذكرهم أن الذي يضطر الإنسان بعبادة الرب هو أنه يرى أزمة الخير والشر والنفع والضر بيده فيعبده لأنه يملك الضر والنفع طمعا في أن يدفع عنه الضر ويوصل إليه الخير لعبادته له.
وكل ما هو دون الله تعالى لا يملك شيئا من ضر ولا نفع لأنه مملوك لله محضا مسلوب عنه القدرة في نفسه فكيف يسوغ تخصيصه بالعبادة ، وإشراكه مع ربه الذي هو المالك له ولغيره ، وقد كان من الواجب أن يخص هو تعالى بالعبادة ، ولا يتعدى عنه إلى غيره لأنه هو الذي يختص به السمع والإجابة فيسمع ويجيب المضطر إذ دعاه ، وهو الذي يعلم حوائج عباده ولا يغفل عنها ولا يغلط فيها بخلاف غيره تعالى فإنه إنما