يملك ما ملكه الله ، ويقوى على ما قواه الله سبحانه.
فقد تبين بهذا البيان : أولا : أن الحجة التي تشتمل عليها هذه الآية غير الحجة التي تشتمل عليها الآية السابقة وإن توقفتا معا على مقدمة مشتركة ، وهي كون المسيح وأمه ممكنين محتاجين ، فالآية السابقة حجتها أن المسيح وأمه كانا بشرين محتاجين عبدين مطيعين لله سبحانه ، ومن كان حاله هذا الحال لم يصح أن يكون إلها معبودا ، وحجة هذه الآية : أن المسيح ممكن محتاج مملوك بنفسه لا يملك ضرا ولا نفعا ، ومن كان حاله هذا الحال لم يستقم ألوهيته وعبادته من دون الله.
وثانيا : أن الحجة مأخوذة مما يدركه الفهم البسيط والعقل الساذج من جهة غرض الإنسان البسيط في عبادته فإنه إنما يتخذ ربا ويعبده ليدفع عنه الضر ويجلب إليه النفع ، وهذا إنما يملكه الله تعالى دون غيره ، فلا غرض يتعلق بعبادة غير الله فمن الواجب أن يرفض عبادته.
وثالثا : أن قوله : « ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً » إنما أخذت فيه لفظة « ما » دون لفظة « من » مع المسيح من أولي العقل لأن الحجة بعينها هي التي تقام على الوثنيين وعبدة الأصنام التي لا شعور لها ، ولا دخل في كون المسيح عليهالسلام من أولي العقل في تمام الحجة فهي تامة في كل معبود مفروض دون الله سبحانه.
على أن غيره تعالى وإن كان من أولي العقل والشعور لا يملكون شيئا من العقل والشعور من عند أنفسهم كسائر ما ينسب إليهم من شئون وجودهم ؛ قال تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ » : الأعراف : ١٩٥.
وكذلك تقديم الضر على النفع في قوله : « ضَرًّا وَلا نَفْعاً » للجري على وفق ما تدركه وتدعوا إليه الفطرة الساذجة كما مر ، فإن الإنسان بحسب الطبع يرى ما تلبس به من النعم الموجودة عنده ما دامت عنده مملوكة لنفسه لا تلتفت نفسه إلى إمكان فقدها ولا تتصور ألمه عند فقدها بخلاف المضار التي يجدها بالفعل ، والنعم التي يفتقدها ويجد ألم فقدها ، فإن الفطرة تنبهها إلى الالتجاء إلى رب يدفع عنها الضر والضير ، ويجلب