إليها النعمة المسلوبة كما قال تعالى : « وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ » : يونس : ١٢ ، وقال تعالى : « وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي » : حم السجدة : ٥٠ ، وقال تعالى : « وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ » : حم السجدة : ٥١.
فتحصل أن مس الضر أبعث للإنسان إلى الخضوع للرب وعبادته من وجدان النفع ، ولذلك قدم الله سبحانه الضر على النفع في قوله : « ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً » وكذا في سائر الموارد التي تماثله كقوله : « اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً » : الفرقان : ٣.
ورابعا : أن مجموع الآية : « أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ » إلى آخرها حجة على وجوب قصر العبادة في الله سبحانه من دون إشراك غيره معه وهي منحلة إلى حجتين ملخصهما : أن اتخاذ الإله وعبادة الرب إنما هو لغرض دفع الضر وجلب النفع فيجب أن يكون الإله المعبود مالكا لذلك ولا يجوز عبادة من لا يملك شيئا ، والله سبحانه هو السميع المجيب للدعوة العليم بكنه الحاجة من غير جهل دون غيره ؛ فوجب عبادته من غير إشراك غيره.
قوله تعالى : « قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ » خطاب آخر للنبي صلىاللهعليهوآله بأمره أن يدعو أهل الكتاب إلى عدم الغلو في دينهم ، وأهل الكتاب وخاصة النصارى مبتلون بذلك ، و « الغالي » المتجاوز عن الحد بالإفراط ، ويقابله « القالي » في طرف التفريط.
ودين الله الذي يفسره كتبه المنزلة يأمر بالتوحيد ونفي الشريك وينهى عن اتخاذ الشركاء لله سبحانه ، وقد ابتلي بذلك أهل الكتاب عامة اليهود والنصارى ، وإن كان أمر النصارى في ذلك أشنع وأفظع قال تعالى : « وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ، اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ » التوبة : ٣١.