وبوساطتهم يجري ما قضى به في خلقه ، وقد ذكر الله سبحانه أشياء من أمرهم وحكمهم في عالم الموت وفي جنة الآخرة ونارها كقولهم للظالمين حين القبض : أخرجوا أنفسكم إلخ ، الانعام : ٩٣ وقولهم لأهل الجنة : سلام عليكم ادخلوا الجنة الخ ، النحل : ٣٢ وقول مالك لأهل النار : إنكم ماكثون الخ ، الزخرف : ٧٧ ، ونظائر ذلك.
وأما المحشر وهو حظيرة البعث والسؤال والشهادة وتطاير الكتب والوزن والحساب والظرف الذي فيه الحكم الفصل فلم يذكر للملائكة فيه شئ من الحكم أو الأمر والنهي ولا لغيرهم صريحا إلا ما صرح تعالى به في حق الانسان.
كقوله تعالى في أصحاب الأعراف في ذيل هذه الآيات حكاية عنهم : « ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم » وقولهم لجمع من المؤمنين هناك : ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون هذا حكم وأمر وتأمين بإذن الله ، وقوله تعالى فيما يصف يوم القيامة : قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين النحل : ٢٧ وقوله تعالى بعد ذكر سؤاله أهل الجمع عن مدة لبثهم في الأرض : وقال الذين أوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون الروم : ٥٦.
فهذه جهات من تصدي الشؤون ، والقيام بالامر يوم القيامة حبا الله الانسان به دون الملائكة مضافا إلى أمثال الشهادة والشفاعة اللتين له.
فهذا كله يقرب إلى الذهن أن يكون هذا المؤذن من الانسان دون الملائكة ويأتي في البحث الروائي ما له تعلق بالمقام.
قوله تعالى : « وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم » الحجاب معروف وهو الستر المتخلل بين شيئين يستر أحدهما من الآخر. والأعراف أعالي الحجاب ، والتلال من الرمل والعرف للديك وللفرس وهو الشعر فوق رقبته وأعلا كل شئ ففيه معنى العلو على أي حال ، وذكر الحجاب قبل الأعراف ، وما ذكر بعده من إشرافهم على الجميع وندائهم أهل الجنة والنار جميعا كل ذلك يؤيد أن يكون المراد بالاعراف أعالي الحجاب الذي بين الجنة والنار وهو المحل المشرف على الفريقين أهل الجنة وأهل النار جميعا.