والسيماء العلامة قال الراغب : السيماء والسيمياء العلامة ، قال الشاعر :
له سيمياء لا تشق على البصر
وقال تعالى : « سيماهم في وجوههم » وقد سومته أي أعلمته ، ومسومين أي معلمين ( انتهى ).
والذي يعطيه التدبر في معنى هذه الآية وما يلحق بها من الآيات أن هذا الحجاب الذي ذكره الله تعالى إنما هو بين أصحاب الجنة وأصحاب النار فهما مرجع الضمير في قوله : « وبينهما » وقد أنبأنا الله سبحانه بمثل هذا المعنى عند ذكر محاورة بين المنافقين والمؤمنين يوم القيامة بقوله : يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب الحديد : ١٣ ، وإنما هو حجاب لكونه يفرق بين الطائفتين ويحجب إحداهما عن الأخرى لا أنه ثوب منسوج مخيط على هيأة خاصة معلق بين الجنة والنار.
ثم أخبر الله سبحانه أن على أعراف الحجاب وأعاليه رجالا مشرفين على الجانبين لارتفاع موضعهم يعرفون كلا من الطائفتين أصحاب الجنة وأصحاب النار بسيماهم وعلامتهم التي تختص بهم.
ولا ريب في أن السياق يفيد أن هؤلاء الرجال منحازون على الطائفتين متمايزون من جماعتهم فهل ذلك لكونهم خارجين عن نوع الانسان كالملائكة أو الجن مثلا ، أو لكونهم خارجين عن أهل الجمع من حيث ما يتعلق بهم من السؤال والحساب وسائر الشؤون الشبيهة بهما فيكون بذلك أهل الجمع منقسمين إلى طوائف ثلاث : أصحاب الجنة ، وأصحاب النار ، وأصحاب الأعراف ، كما قسمهم الله في الدنيا إلى طوائف ثلاث : المؤمنين والكفار والمستضعفين الذين لم تتم عليهم الحجة وقصروا عن بلوغ التكليف كضعفاء العقول من النساء والأطفال غير البالغين والشيخ الهرم الخرف والمجنون والسفيه وأضرابهم ، أو لكونهم مرتفعين عن موقف أهل الجمع بمكانتهم؟.
لا ريب أن إطلاق لفظ « رجال » لا يشمل الملائكة فإنهم لا يتصفون بالرجولية والأنوثية كما يتصف به جنس الحيوان وإن قيل : إنهم ربما يظهرون في شكل الرجال فإن ذلك لا يصحح الاتصاف والتسمية ، على أنه لا دليل يدل عليه.