ثم إن التعبير بمثل قوله : « رجال يعرفون » إلخ ، وخاصة بالتنكير يدل بحسب عرف اللغة على اعتناء تام بشأن الافراد المقصودين باللفظ نظرا إلى دلالة الرجل بحسب العادة على الانسان القوي في تعقله وإرادته الشديد في قوامه.
وعلى ذلك يجري ما يوجد في كلامه تعالى من مثل هذا التعبير كقوله تعالى : « رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله » النور : ٣٧ ، وقوله : فيه رجال يحبون أن يتطهروا التوبة : ١٠٨ ، وقوله : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الأحزاب : ٢٣ ، وقوله : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم يوسف : ١٠٩ حتى في مثل قوله : ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ص : ٦٢ ، وقوله : وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجنالجن : ٦.
فالمراد برجال في الآية أفراد تامون في إنسانيتهم لا محالة ، وإن فرض أن فيهم أفرادا من النساء كان من التغليب.
وأما المستضعفون فإنهم ضعفاء أفراد الانسان لا مزية في أمرهم توجب الاعتناء بشأنهم ، وفيهم النساء والأطفال حتى الأجنة ، ولا فضل لبعضهم على بعض ، ولرجالهم على غيرهم حتى يعبر به عنهم بالرجال تغليبا فلو كانوا هم المرادين بقوله « رجال يعرفون » الخ ، لكان حق التعبير أن يقال : قوم يعرفون الخ ، أو أناس أو طائفة أو نحو ذلك كما هو المعهود من تعبيرات القرآن الكريم في أمثال هذه الموارد كقوله تعالى : لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم الأعراف : ١٦٤ ، وقوله : إنهم أناس يتطهرون الأعراف : ٨٢ ، وقوله : فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة الصف : ١٤.
على أن ما يصفهم الله تعالى به في الآيات التالية من الأوصاف ويذكرهم به من الشؤون أمور تأبى إلا أن يكون القائمون به من أهل المنزلة والمكانة ، وأصحاب القرب والزلفى فضلا أن يكونوا من الناس المتوسطين فضلا أن يكونوا من المستضعفين.
فأول ذلك : أنهم جعلوا على الأعراف ووصفوا بأنهم مشرفون على أهل الجمع عامة ومطلعون على أصحاب الجنة وأصحاب النار يعرفون كل إنسان منهم بسيماه الخاص به ويحيطون بخصوصيات نفوسهم وتفاصيل أعمالهم ، ولا ريب أن ذلك منزلة رفيعة يختصون بها من بين الناس وليست مشاهدة جميع الناس يوم القيامة وخاصة بعد دخول