الجنة والنار أمرا عاما موجودا عند الجميع فإن الله يقول حكاية عن قول أهل النار : « ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار » ص : ٦٢ ، وقولهم : « ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين » حم السجدة : ٢٩ ، وقال : « لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه » عبس : ٣٧.
وليس معنى السيماء أن يعلم المؤمنون والكفار بعلامة عامة يعرف صنفهم بها كل من شاهدهم كبياض الوجه وسواده مثلا فإن قوله تعالى في الآية التالية : « ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة » يفيد أنهم ميزوا خصوصيات من أحوالهم وأعمالهم من سيماهم ككونهم مستكبرين أولي جمع وقد أقسموا كذا وكذا ، وهذه أمور وراء الكفر والايمان في الجملة.
وثانيا : إنهم يحاورون الفريقين فيكلمون أصحاب الجنة ويحيونهم بتحية الجنة ، ويكلمون أئمة الكفر والضلال والطغاة من أهل النار فيقرعون عليهم بأحوالهم وأقوالهم مسترسلين في ذلك من غير أن يحجزهم حاجز ، وليس التكلم بمجاز يومئذ إلا للأوحدي من عباد الله الذين لا ينطقون إلا بحق قال تعالى : « لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا » النبأ : ٣٨ ، وهذا وراء ما يناله المستضعفون.
وثالثا : إنهم يؤمنون أهل الجنة بالتسليم عليهم ثم يأمرونهم بدخول الجنة في أمر مطلق على ما هو ظاهر السياق في الآيات التالية.
ورابعا : أنه لا يشاهد فيما يذكره الله من مكانتهم وما يحاورون به أصحاب الجنة والجبابرة المستكبرين من أصحاب النار شئ من آثار الفزع والقلق عليهم ولا اضطراب في أقوالهم ، ولم يذكر أنهم محضرون فيه مختلطون بالجماعة داخلون فيما دخلوا فيه من الأهوال التي تجعل الأفئدة هواء والجبال سرابا ، وقد قال تعالى : « فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين » الصافات : ١٢٨ ، فجعل ذلك من خاصة مخلصي عباده ، ثم استثناهم من كل هول أعد ليوم القيامة.
ثم إنه تعالى ذكر دعاءهم في قوله : « وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين » ولم يعقبه بالرد فدل ذلك على أنهم مجازون فيما