يتكلمون به مستجاب دعاؤهم ، ولولا ذلك لعقبه بالرد كما في موارد ذكرت فيها أدعية أهل الجمع ومسائل أصحاب النار وأدعية أخرى من غيرهم.
فهذه الخصوصيات التي تنكشف واحدة بعد واحدة من هذه الآيات بالتدبر فيها وأخرى تتبعها لا تبقي ريبا للمتدبر في أن هؤلاء الذين أخبر الله سبحانه عنهم في قوله : وعلى الأعراف رجال جمع من عباد الله المخلصين من غير الملائكة هم أرفع مقاما وأعلى منزلة من سائر أهل الجمع يعرفون عامة الفريقين ، لهم أن يتكلموا بالحق يوم القيامة ولهم أن يشهدوا ، ولهم أن يشفعوا ، ولهم أن يأمروا ويقضوا.
وأما أنهم من الانس أو من الجن أو من القبيلين مختلطين فلا طريق من اللفظ يوصلنا إلى العلم به غير أن شيئا من كلامه تعالى لا يدل على تصدى الجن شيئا من شؤون يوم القيامة ولا توسطا في أمر يعود إلى الحكم الفصل الذي يجري على الانسان يومئذ كالشهادة والشفاعة ونحوهما.
ولا ينافي ما قدمناه من أوصافهم ونعوتهم أمثال قوله تعالى : « يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله » الانفطار : ١٩ ، فإن الآية مفسرة بآيات أخرى تدل على أن المراد بها إنما هو ظهور ملكه تعالى لكل شئ وإحاطته بكل أمر لا حدوث ملكه يومئذ فإنه مالك على الاطلاق دائما لا وقتا دون وقت ، ولا يملك نفس لنفس شيئا دائما لا في الآخرة فحسب لنفسه والملائكة على وساطتهم يومئذ والشهداء يملكون شهادتهم يومئذ ، والشفعاء يملكون شفاعتهم يومئذ وقد نص على ذلك كلامه تعالى قال : « وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون » الأنبياء : ١٠٣ ، وقال : « يوم يقوم الاشهاد » المؤمن : ٥١ ، وقال : « ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون » الزخرف : ٨٦.
فلله سبحانه الملك يومئذ وله الحكم يومئذ ، ولغيره ما أذن له فيه كالدنيا غير أن الذي يختص به يوم القيامة ظهور هذه الحقائق ظهور عيان لا يقبل الخفاء ، وحضورها بحيث لا يغيب بغفلة أو جهل أو خطا أو بطلان.
وقد اشتد الخلاف بينهم في معنى الآية حتى ساق بعضهم إلى أقوال لا تخلو عن المجازفة فقد اختلفوا في معنى الأعراف :