كان مثالا لنزع لباس التقوى عن الآدميين بالفتنة وإن الإنسان في جنة السعادة ما لم يفتتن به فإذا افتتن أخرجه الله منها.
وقوله : « إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ » تأكيد للنهي وبيان لدقة مسلكه وخفاء سربه دقة لا يميزه حس الإنسان وخفاء لا يقع عليه شعوره فإنه لا يرى إلا نفسه من غير أن يشعر أن وراءه من يأمر بالشر ويهديه إلى الشقوة.
وقوله : « إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ » تأكيدا آخر للنهي ، وليست ولايتهم وتصرفهم في الإنسان إلا ولاية الفتنة والغرور فإذا افتتن واغتر بهم تصرفوا بما شاءوا وكما أرادوا كما قال تعالى مخاطبا لإبليس : « وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً » : إسراء : ٦٥ ، وقال : « إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » : النحل : ٩٩ ، وقال : « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ » : الحجر : ٤٢.
ومن الآيات بانضمامها إلى آيتنا المبحوث عنها يظهر أن لا ولاية لهم على المؤمنين وإن مسهم طائف منهم أحيانا ، وأن لا سلطان له على المتوكلين من المؤمنين وهم الذين عدهم الله عبادا له بقوله : « عِبادِي » فلا ولاية له إلا على الذين لا يؤمنون.
والظاهر أن المراد به عدم الإيمان بآيات الله بتكذيبها وهو أخص من وجه من عدم الإيمان بالله الذي هو الكفر بالله بشرك أو نفي ، وذلك لأن هذا الكفر هو المذكور في الخطاب العام الذي في ذيل القصة من سورة البقرة حيث قال تعالى : « قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً » ـ إلى أن قال ـ « وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ » : البقرة ٣٩ ، وفي ذيل هذه الآيات من هذه السورة حيث قال : « وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ » : الأعراف : ٣٦.
قوله تعالى : « وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها » إلى آخر الآية ، رجوع من الخطاب العام لبني آدم إلى خطاب النبي صلىاللهعليهوآله خاصة ليتوسل