روح المعاني حيث قال بعد ذكر الأقوال. والكل في الحقيقة على سبيل التمثيل ومن ادعى الحصر في واحد كابن عطية حيث قال : إنما التكريم بالعقل لا غيره فقد ادعى غلطا ورام شططا وخالف صريح العقل وصحيح النقل. انتهى. ووجه خطأه ظاهر مما تقدم.
وقوله : « وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ » أي حملناهم على السفن والدواب وغير ذلك يركبونها إلى مقاصدهم وابتغاء فضل ربهم ورزقه وهذا أحد مظاهر تكريمهم.
وقوله : « وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ » أي من الأشياء التي يستطيبونها من أقسام النعم من الفواكه والثمار وسائر ما يتنعمون به ويستلذونه مما يصدق عليه الرزق ، وهذا أيضا أحد مظاهر التكريم فمثل الإنسان في هذا التكريم الإلهي مثل من يدعى إلى الضيافة وهي تكريم ثم يرسل إليه مركوب يركبه للحضور لها وهو تكريم ثم يقدم عليه أنواع الأغذية والأطعمة الطيبة اللذيذة وهو تكريم.
وبذلك يظهر أن عطف قوله : « وَحَمَلْناهُمْ » إلخ وقوله : « وَرَزَقْناهُمْ » إلخ على التكريم من قبيل عطف المصاديق المترتبة على العنوان الكلي المنتزع منها.
وقوله : « وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً » لا يبعد أن يكون المراد بمن خلقناهم أنواع الحيوان ذوات الشعور والجن الذي يثبته القرآن فإن الله سبحانه يعد أنواع الحيوان أمما أرضية كالأمة الإنسانية ويجريها مجرى أولي العقل كما قال : « وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ».
وهذا هو الأنسب بمعنى الآية وقد عرفت أن الغرض منها بيان ما كرم الله به بني آدم وفضلهم على سائر الموجودات الكونية وهي ـ فيما نعلم ـ الحيوان والجن وأما الملائكة فليسوا من الموجودات الكونية الواقعة تحت تأثير النظام المادي الحاكم في عالم المادة.
فالمعنى : وفضلنا بني آدم على كثير مما خلقنا وهم الحيوان والجن وأما غير