الكثير وهم الملائكة فهم خارجون عن محل الكلام لأنهم موجودات نورية غير كونية ولا داخلة في مجرى النظام الكوني ، والآية إنما تتكلم في الإنسان من جهة أنه أحد الموجودات الكونية وقد أنعم عليه بنعم نفسية وإضافية.
وقد تبين مما تقدم :
أولا : أن كلا من التكريم والتفضيل في الآية ناظر إلى نوع من الموهبة الإلهية التي أوتيها الإنسان ، أما تكريمه فيما يختص بنوعه من الموهبة لا يتعداه إلى غيره وهو العقل الذي يميز به الخير من الشر والنافع من الضار والحسن من القبيح ويتفرع عليه مواهب أخرى كالتسلط على غيره واستخدامه في سبيل مقاصده والنطق والخط وغيره.
وأما تفضيله فبما يزيد به على غيره في الأمور المشتركة بينه وبين غيره كما أن الحيوان يتغذى بما وجده من لحم أو فاكهة أو حب أو عشب ونحو ذلك على وجه ساذج والإنسان يتغذى بذلك ويزيد عليه بما يبدعه من ألوان الغذاء المطبوخ وغير المطبوخ على أنحاء مختلفة وفنون مبتكرة وطعوم مستطابة لذيذة لا تكاد تحصى ولا تزال تزداد نوعا وصنفا ، وقس على ذلك الحال في مشربه وملبسه ومسكنه ونكاحه واجتماعه المنزلي والمدني وغير ذلك.
وقال في مجمع البيان ، : ومتى قيل : إذا كان معنى التكريم والتفضيل واحدا فما معنى التكرار؟ فجوابه أن قوله : « كَرَّمْنا » ينبئ عن الإنعام ولا ينبئ عن التفضل فجاء بلفظ التفضيل ليدل عليه ، وقيل : إن التكريم يتناول نعم الدنيا والتفضيل يتناول نعم الآخرة ، وقيل : إن التكريم بالنعم التي يصح بها التكليف ، والتفضل بالتكليف الذي عرضهم به للمنازل العالية. انتهى.
أما ما ذكره أن التفضيل يدل على نكتة زائدة على مدلول التكريم وهو كونه تفضلا وإعطاء لا عن استحقاق ففيه أنه ممنوع والتفضيل كما يصح لا عن استحقاق من المفضل كذلك يصح عن استحقاق منه لذلك ، وأما ما نقله عن غيره فدعوى من غير دليل.
وقال الرازي في تفسيره ، في الفرق بينهما : إن الأقرب في ذلك أن يقال : إنه تعالى فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية مثل العقل والنطق والخط