والصورة الحسنة والقامة المديدة ثم إنه عز وجل عرضه بواسطة العقل والفهم لاكتساب العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة فالأول هو التكريم والثاني هو التفضيل فكأنه قيل : فضلناهم بالتعريض لاكتساب ما فيه النجاة والزلفى بواسطة ما كرمناهم به من مبادئ ذلك فعليهم أن يشكروا ويصرفوا ما خلق لهم لما خلق له فيوحدوا الله تعالى ولا يشركوا به شيئا ويرفضوا ما هم عليه من عبادة غيره انتهى.
ومحصله الفرق بين التكريم والتفضيل بأن الأول إنما هو في الأمور الذاتية أو ما يلحق بها من الغريزيات والثاني في الأمور الاكتسابية وأنت خبير بأن الإنسان وإن وجد فيه من المواهب الإلهية والكمالات الوجودية أمور ذاتية وأمور اكتسابية على ما ذكره لكن اختصاص التكريم بالنوع الأول والتفضيل بالنوع الثاني لا يساعد عليه لغة ولا عرف. فالوجه ما قدمناه.
وثانيا : أن الآية ناظرة إلى الكمال الإنساني من حيث وجوده الكوني وتكريمه وتفضيله بالقياس إلى سائر الموجودات الكونية الواقعة تحت النظام الكوني فالملائكة الخارجون عن النظام الكوني خارجون عن محل الكلام والمراد بتفضيل الإنسان على كثير ممن خلق تفضيله على غير الملائكة من الموجودات الكونية ، وأما الملائكة فوجودهم غير هذا الوجود فلا تعرض لهم في ذلك بوجه.
وبذلك يظهر فساد ما استدل بعضهم بالآية على كون الملائكة أفضل من الإنسان حتى الأنبياء عليهمالسلام قال : لأن قوله تعالى : « وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا » يدل على أن هاهنا من لم يفضلهم عليه ، وليس إلا الملائكة لأن بني آدم أفضل من كل حيوان سوى الملائكة بالاتفاق.
وجه الفساد : أن الذي تعرضت له الآية إنما هو التفضيل من حيث الوجود الكوني الدنيوي والملائكة غير موجودين بهذا النحو من الوجود ، وإلى هذا يرجع ما أجاب به بعضهم أن التفضيل في الآية لم يرد به الثواب لأن الثواب لا يجوز التفضيل به ابتداء ، وإنما المراد بذلك ما فضلهم الله به من فنون النعم التي أوتيها في الدنيا.
وأما ما أجابوا عنه بأن المراد بالكثير في الآية الجميع ومن بيانية ، والمعنى وفضلناهم على من خلقنا وهم كثير.