وأما قوله : « وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً » أي ما عندكم من العلم بالروح الذي آتاكم الله ذلك قليل من كثير فإن له موقعا من الوجود وخواص وآثارا في الكون عجيبة بديعة أنتم عنها في حجاب.
وللمفسرين في المراد من الروح المسئول عنه والمجاب عنه أقوال :
فقال بعضهم : إن المراد بالروح المسئول عنه هو الروح الذي يذكره الله في قوله : « يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا » وقوله : « تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ » الآية ، ولا دليل لهم على ذلك.
وقال بعضهم : إن المراد به جبريل فإن الله سماه روحا في قوله : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ » وفيه أن مجرد تسميته روحا في بعض كلامه لا يستلزم كونه هو المراد بعينه أينما ذكر على أن لهذه التسمية معنى خاصا أومأنا إليه في سابق الكلام ، ولو لا ذلك لكان عيسى وجبريل واحدا لأن الله سمى كلا منهما روحا.
وقال بعضهم : إن المراد به القرآن لأن الله سماه روحا في قوله : « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا » الآية فيكون محصل السؤال والجواب أنهم يسألونك عن القرآن أهو من الله أو من عندك؟ فأجبهم أنه من أمر ربي لا يقدر على الإتيان بمثله غيره فهو آية معجزة دالة على صحة رسالتي وما أوتيتم من العلم به إلا قليلا من غير أن تحيطوا به فتقدروا على الإتيان بمثله قالوا : والآية التالية : « وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ » يؤيد هذا المعنى.
وفيه أن تسميته في بعض كلامه روحا لا تستلزم كونه هو المراد كلما أطلق كما تقدم آنفا. على أنك قد عرفت ما في دعوى هذه التسمية. على أن الآية التالية لا تتعين تأييدا لهذا الوجه بل تلائم بعض الوجوه الآخر أيضا.
وقال بعضهم : إن المراد به الروح الإنساني فهو المتبادر من إطلاقه وقوله : « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » ترك للبيان ونهي عن التوغل في فهم حقيقة الروح فإنه من أمر الله الذي استأثر بعلمه ولم يطلع على حقيقته أحدا ثم اختلفوا في حقيقته بين قائل بأنه جسم هوائي متردد في مخارق البدن ، وقائل بأنه جسم هوائي في هيئة البدن حال فيه