فالمعنى ـ والله أعلم ـ الروح النازل عليك الملقي بالقرآن إليك من أمرنا غير خارج من قدرتنا ، وأقسم لئن شئنا لنذهبن بهذا الروح الذي هو كلمتنا الملقاة إليك ثم لا تجد أحدا يكون وكيلا به لك علينا يدافع عنك ويطالبنا به ويجبرنا على رد ما أذهبنا به.
وبذلك يظهر أولا : أن المراد بالذي أوحينا إليك الروح الإلهي الذي هي كلمة ملقاة من الله إلى النبي صلىاللهعليهوآله على حد قوله : « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا » الشورى : ٥٤.
وثانيا : أن المراد بالوكيل للمطالبة والرد لما أذهبه الله دون الوكيل في حفظ القرآن وتلاوته على ما فسره بعض المفسرين وهو مبني على تفسير قوله : « بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ » بالقرآن دون الروح النازل به كما قدمنا.
قوله تعالى : « إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً » استثناء من محذوف يدل عليه السياق ، والتقدير فما اختصصت بما اختصصت به ولا أعطيت ما أعطيت من نزول الروح وملازمته إياك إلا رحمة من ربك ، ثم علله بقوله : « إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً » وهو وارد مورد الامتنان.
قوله تعالى : « قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً » الظهير هو المعين مأخوذ من الظهر كالرئيس من الرأس ، وقوله : « بِمِثْلِهِ » من وضع الظاهر موضع المضمر وضميره عائد إلى القرآن.
وفي الآية تحد ظاهر ، وهي ظاهرة في أن التحدي بجميع ما للقرآن من صفات الكمال الراجعة إلى لفظه ومعناه لا بفصاحته وبلاغته وحدها فإن انضمام غير أهل اللسان إليهم لا ينفع في معارضة البلاغة شيئا وقد اعتنت الآية باجتماع الثقلين وإعانة بعضهم لبعض.
على أن الآية ظاهرة في دوام التحدي وقد انقرضت العرب العرباء أعلام الفصاحة والبلاغة اليوم فلا أثر منهم ، والقرآن باق على إعجازه متحد بنفسه كما كان.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا