عليه بخلق جديد فاحتج عليهم بأن خلق البدن أولا يثبت القدرة عليه وعلى مثله الذي هو الخلق الجديد للبعث فحكم الأمثال واحد.
فالمماثلة إنما هي من جهة مقايسة البدن الجديد من البدن الأول مع قطع النظر عن النفس التي هي الحافظة لوحدة الإنسان وشخصيته ، ولا ينافي ذلك كون الإنسان الأخروي عين الإنسان الدنيوي لا مثله لأن ملاك الوحدة والشخصية هي النفس الإنسانية وهي محفوظة عند الله سبحانه غير باطلة ولا معدومة ، وإذا تعلقت بالبدن المخلوق جديدا كان هو الإنسان الدنيوي كما أن الإنسان في الدنيا واحد شخصي باق على وحدته الشخصية مع تغير البدن بجميع أجزائه حينا بعد حين.
والدليل على أن النفس التي هي حقيقة الإنسان محفوظة عند الله مع تفرق أجزاء البدن وفساد صورته قوله تعالى : « وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ » الم السجدة : ١١ حيث استشكلوا في المعاد بأنه تجديد للخلق بعد فناء الإنسان بتفرق أجزاء بدنه فأجيب عنه بأن ملك الموت يتوفى الإنسان ويأخذه تاما كاملا فلا يضل ولا يتلاشى ، وإنما الضال بدنه ولا ضير في ذلك فإن الله يجدده.
والدليل على أن الإنسان المبعوث هو عين الإنسان الدنيوي لا مثله جميع آيات القيامة الدالة على رجوع الإنسان إليه تعالى وبعثه وسؤاله وحسابه ومجازاته بما عمل.
فهذا كله يشهد على أن المراد بالمماثلة ما ذكرناه ، وإنما تعرض لأمر البدن حتى ينجر إلى ذكر المماثلة محاذاة لمتن ما استشكلوا به من قولهم : « أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً » فلم يضمنوا قولهم إلا شئون البدن لا النفس المتوفاة منه ، وإذا قطع النظر عن النفس كان البدن مماثلا للبدن ، وإن كان مع اعتبارها عينا.
وذكر بعضهم : أن المراد بمثلهم نفسهم فهو من قبيل قولهم : مثلك لا يفعل هذا أي أنت لا تفعله. وللمناقشة إليه سبيل والظاهر أن العناية في هذا التركيب أن مثلك لاشتماله على مثل ما فيك من الصفة لا يفعل هذا فأنت لا تفعله لمكان صفتك ففيه نفي الفعل بنفي سببه على سبيل الكناية ، وهو آكد من قولنا : أنت لا تفعله.
وقوله : « وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ » الظاهر أن المراد بالأجل هو زمان الموت