يفيد كون هؤلاء من أهل الحق والدين غير المنسوخ يومئذ هو دين المسيح عليهالسلام فهم أهل الحق من علماء النصرانية الذين لم يزيغوا ولم يبدلوا.
وعلى أي حال المراد من كونهم أوتوا العلم من قبله أنهم استعدوا لفهم كلمة الحق وقبولها لتجهزهم بالعلم بحقيقة معناه وإيراثه إياهم وصف الخشوع فيزيدهم القرآن المتلو عليهم خشوعا.
وقوله : « يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً » الأذقان جمع ذقن وهو مجمع اللحيين من الوجه ، والخرور للأذقان السقوط على الأرض على أذقانهم للسجدة كما يبينه قوله : « سُجَّداً » وإنما اعتبرت الأذقان لأن الذقن أقرب أجزاء الوجه من الأرض عند الخرور عليها للسجدة ، وربما قيل : المراد بالأذقان الوجوه إطلاقا للجزء على الكل مجازا.
وقوله : « وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً » أي ينزهونه تعالى عن كل نقص وعن خلف الوعد خاصة ويعطي سياق الآيات السابقة أن المراد بالوعد وعده سبحانه بالبعث وهذا في قبال إصرار المشركين على نفي البعث وإنكار المعاد كما تكرر في الآيات السابقة.
وقوله : « وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً » تكرار الخرور للأذقان وإضافته إلى البكاء لإفادة معنى الخضوع وهو التذلل الذي يكون بالبدن كما أن الجملة الثانية لإفادة معنى الخشوع وهو التذلل الذي يكون بالقلب فمحصل الآية أنهم يخضعون ويخشعون.
وفي الآية إثبات خاصة المؤمنين لهم وهي التي أشير إليها بقوله سابقا : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) كما أن في الآية نفي خاصة المشركين عنهم وهي إنكار البعث.
وفي هذه الآيات الثلاث بيان أن القرآن في غنى عن إيمانهم لا لأن إيمان الذين أوتوا العلم من قبله يرفع حاجة له إلى إيمان غيرهم بل لأن إيمانهم به يكشف عن أنه كتاب حق أنزل بالحق لا حاجة له في حقيته ولا افتقار في كماله إلى إيمان مؤمن وتصديق مصدق فإن آمنوا به فلأنفسهم وإن كفروا به فعليها لا له ولا عليه.