فقد ذكر سبحانه إعراضهم عن القرآن وكفرهم به وعدم اعتنائهم بكونه آية واقتراحهم آيات أخرى ثم بين له من نعوت الكمال ودلائل الإعجاز في لفظه ومعناه وغزارة الأثر في النفوس وكيفية نزوله ما استبان به أنه حق لا يعتريه بطلان ولا فساد أصلا ثم بين في هذه الآيات أنه في غنى عن إيمانهم فهم وما يختارونه من الإيمان والكفر.
قوله تعالى : « قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى » لفظة أو للتسوية والإباحة فالمراد بقوله « اللهَ » و « الرَّحْمنَ » الاسمان الدالان على المسمى دون المسمى ، والمعنى ادعوا باسم الله أو باسم الرحمن فالدعاء دعاؤه.
وقوله : « أَيًّا ما تَدْعُوا » شرط و « ما » صلة للتأكيد نظير قوله : « فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ » آل عمران : ١٥٩. وقوله : « عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ » المؤمنون : ٤٠ و « أَيًّا » شرطية وهي مفعول « تَدْعُوا ».
وقوله : « فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى » جواب الشرط ، وهو من وضع السبب موضع المسبب والمعنى أي اسم من الاسمين تدعوه فهو اسم أحسن له لأن الأسماء الحسنى كلها له فالأسماء الدالة على المسميات منها حسنة تدل على ما فيه حسن ومنها قبيحة بخلافها ولا سبيل للقبيح إليه تعالى ، والأسماء الحسنة منها ما هو أحسن لا شوب نقص وقبح فيه كالغنى الذي لا فقر معه والحياة التي لا موت معها والعزة التي لا ذلة دونها ومنها ما هو حسن يغلب عليه الحسن من غير محوضة ولله سبحانه الأسماء الحسنى ، وهي كل اسم هو أحسن الأسماء في معناه كما يدل عليه
قول أئمة الدين : إن الله تعالى غني لا كالأغنياء ، حي لا كالأحياء ، عزيز لا كالأعزة عليم لا كالعلماء وهكذا أي له من كل كمال صرفه ومحضه الذي لا يشوبه خلافه.
والضمير في قوله : « أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى » عائد إلى الذات المتعالية من كل اسم ورسم ، وليس براجع إلى شيء من الاسمين : الله والرحمن لأن المراد بهما ـ كما تقدم ـ الاسمان دون الذات المتعالية التي هي مسماة بهما ولا معنى لأن يقال : أيا من الاسمين تدعوا فإن لذلك الاسم جميع الأسماء الحسنى أو باقي الأسماء الحسنى بل المعنى أيا من أسمائه تدعوا فلا مانع منه لأنها جميعا أسماؤه لأنها أسماء حسنى وله