القائلين بأن المسيح ابن الله وقد نسب القرآن إلى اليهود أنهم قالوا : عزير ابن الله.
وذكر إنذارهم خاصة ثانيا بعد ذكره على وجه العموم أولا بقوله : « لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ » لمزيد الاهتمام بشأنهم.
قوله تعالى : « ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ » كانت عامتهم يريدون بقولهم : اتخذ الله ولدا حقيقة التوليد كما يدل عليه قوله « أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ » الأنعام : ١٠١.
وقد رد سبحانه قولهم عليهم أولا بأنه قول منهم جهلا بغير علم وثانيا بقوله في آخر الآية : « إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ».
وكان قوله : « ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ » شاملا لهم جميعا من آباء وأبناء لكنهم لما كانوا يحيلون العلم به إلى آبائهم قائلين إن هذه ملة آبائنا وهم أعلم منا وليس لنا إلا أن نتبعهم ونقتدي بهم فرق تعالى بينهم وبين آبائهم فنفى العلم عنهم أولا وعن آبائهم الذين كانوا يركنون إليهم ثانيا ليكون إبطالا لقولهم ولحجتهم جميعا.
وقوله : « كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ » ذم لهم وإعظام لقولهم : اتخذ الله ولدا لما فيه من عظيم الاجتراء على الله سبحانه بنسبة الشريك والتجسم والتركب والحاجة إلى المعين والخليفة إليه ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وربما وقع في كلام أوائلهم إطلاق الابن على بعض خلقه بعناية التشريف للدلالة على قربه منه واختصاصه به نظير قول اليهود فيما حكاه القرآن : عزير ابن الله ، وقولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وكذا وقع في كلام عدة من قدمائهم إطلاق الابن على بعض الخلق الأول بعناية صدوره منه كما يصدر الابن عن الأب وإطلاق الزوج والصاحبة على وسائط الصدور والإيجاد كما أن زوج الرجل واسطة لصدور الولد منه فأطلق على بعض الملائكة من الخلق الأول الزوج وعلى بعض آخر منهم الابن أو البنت.
وهذان الإطلاقان وإن لم يشتملا على مثل ما اشتمل عليه الإطلاق الأول لكونهما من التجوز بعناية التشريف ونحوه لكنهما ممنوعان شرعا وكفى ملاكا لحرمتهما سوقهما وسوق أمثالهما عامة الناس إلى الشقاء الدائم والهلاك الخالد.
قوله تعالى : « فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً »