قال : ثم إن ذلك الملك ذهب وجاء ملك آخر ـ فعبد الله وترك تلك الأوثان وعدل في الناس ـ فبعثهم الله لما يريد فقال قائل منهم : كم لبثتم؟ فقال بعضهم : يوما وقال بعضهم : يومين ـ وقال بعضهم : أكثر من ذلك فقال كبيرهم : لا تختلفوا فإنه لم يختلف قوم قط إلا هلكوا ـ فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة.
فرأى شارة (١) أنكرها ورأى بنيانا أنكره ـ ثم دنا إلى خباز فرمى إليه بدرهم ـ وكانت دراهمهم كخفاف الربع يعني ولد الناقة ـ فأنكر الخباز الدرهم فقال : من أين لك هذا الدرهم؟ لقد وجدت كنزا لتدلني عليه أو لأرفعنك إلى الأمير ـ فقال : أوتخوفني بالأمير؟ وأتى الدهقان الأمير قال : من أبوك؟ قال : فلان فلم يعرفه قال : فمن الملك؟ قال : فلان فلم يعرفه ـ فاجتمع عليهم الناس فرفع إلى عالمهم فسأله فأخبره فقال : علي باللوح فجيء به فسمى أصحابه فلانا وفلانا ـ وهم مكتوبون في اللوح فقال للناس : إن الله قد دلكم على إخوانكم.
وانطلقوا وركبوا حتى أتوا إلى الكهف ـ فلما دنوا من الكهف قال الفتى. مكانكم أنتم حتى أدخل أنا على أصحابي ، ولا تهجموا فيفزعون منكم ـ وهم لا يعلمون أن الله قد أقبل بكم وتاب عليكم فقالوا : لتخرجن علينا؟ قال : نعم إن شاء الله فدخل فلم يدروا أين ذهب؟ وعمي عليهم فطلبوا وحرضوا فلم يقدروا على الدخول عليهم ـ فقالوا : لنتخذن عليهم مسجدا ـ فاتخذوا عليهم مسجدا يصلون عليهم ويستغفرون لهم.
أقول : والرواية مشهورة أوردها المفسرون في تفاسيرهم وتلقوها بالقبول وهي بعد غير خالية عن أشياء منها أن ظاهرها أنهم بعد على هيئة النيام لا يمكن الاطلاع عليهم بصرف إلهي ، والكهف الذي في المضيق وهو كهف أفسوس المعروف اليوم ليس على هذا النعت.
والآية التي تمسك بها ابن عباس إنما تمثل حالهم وهم رقود قبل البعث لا بعده وقد وردت عن ابن عباس رواية أخرى تخالف هذه الرواية وهي ما في الدر المنثور ، عن عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عكرمة وقد ذكرت فيها القصة وفي آخرها : فركب
__________________
(١) الشارة الهيئة والزينة والمنظر واللباس.