قوله تعالى : « وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ » « أَلَّا تَعْبُدُوا » إلخ ، نفي واستثناء و « أن » مصدرية وجوز أن يكون نهيا واستثناء وأن مصدرية أو مفسرة ، وعلى أي حال ينحل مجموع المستثنى والمستثنى منه إلى جملتين كقولنا : تعبدونه ولا تعبدون غيره وترجع الجملتان بوجه آخر إلى حكم واحد وهو الحكم بعبادته عن إخلاص.
والقول سواء كان منحلا إلى جملتين أو عائدا إلى جملة واحدة متعلق القضاء وهو القضاء التشريعي المتعلق بالأحكام والقضايا التشريعية ، ويفيد معنى الفصل والحكم القاطع المولوي ، وهو كما يتعلق بالأمر يتعلق بالنهي وكما يبرم الأحكام المثبتة يبرم الأحكام المنفية ، ولو كان بلفظ الأمر فقيل : وأمر ربك أن لا تعبدوا إلا إياه ، لم يصح إلا بنوع من التأويل والتجوز.
والأمر بإخلاص العبادة لله سبحانه أعظم الأوامر الدينية والإخلاص بالعبادة أوجب الواجبات كما أن معصيته وهو الشرك بالله سبحانه أكبر الكبائر الموبقة ، قال تعالى : « إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ » النساء : ٤٨.
وإليه يعود جميع المعاصي بحسب التحليل إذ لو لا طاعة غير الله من شياطين الجن والإنس وهوى النفس والجهل لم يقدم الإنسان على معصية ربه فيما أمره به أو نهاه عنه والطاعة عبادة قال تعالى : « أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ » يس : ٦٠ ، وقال : « أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ » الجاثية : ٢٣ ، حتى أن الكافر المنكر للصانع مشرك بإلقائه زمام تدبير العالم إلى المادة أو الطبيعة أو الدهر أو غير ذلك وهو مقر بسذاجة فطرته بالصانع تعالى.
ولعظم أمر هذا الحكم قدمه على سائر ما عد من الأحكام الخطيرة شأنا كعقوق الوالدين ومنع الحقوق المالية والتبذير وقتل الأولاد والزنا وقتل النفس المحترمة وأكل مال اليتيم ونقض العهد والتطفيف في الوزن واتباع غير العلم والكبير ثم ختمها بالنهي ثانيا عن الشرك.
قوله تعالى : « وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً » عطف على سابقه أي وقضى ربك بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا أو أن أحسنوا بالوالدين إحسانا والإحسان في الفعل يقابل الإساءة.
وهذا بعد التوحيد لله من أوجب الواجبات كما أن عقوقهما أكبر الكبائر بعد الشرك