بالله ، ولذلك ذكره بعد حكم التوحيد وقدمه على سائر الأحكام المذكورة المعدودة وكذلك فعل في عدة مواضع من كلامه.
وقد تقدم في نظير الآية من سورة الأنعام ـ الآية ١٥١ من السورة ـ أن الرابطة العاطفية المتوسطة بين الأب والأم من جانب والولد من جانب آخر من أعظم ما يقوم به المجتمع الإنساني على ساقه ، وهي الوسيلة الطبيعية التي تمسك الزوجين على حال الاجتماع فمن الواجب بالنظر إلى السنة الاجتماعية الفطرية أن يحترم الإنسان والديه بإكرامهما والإحسان إليهما ، ولو لم يجر هذا الحكم وهجر المجتمع الإنساني بطلت العاطفة والرابطة للأولاد بالأبوين وانحل به عقد الاجتماع.
قوله تعالى : « إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً » « إِمَّا » مركب من « إن » الشرطية و « ما » الزائدة وهي المصححة لدخول نون التأكيد على فعل الشرط ، والكبر هو الكبر في السن وأف كلمة تفيد الضجر والانزجار ، والنهر هو الزجر بالصياح ورفع الصوت والإغلاظ في القول.
وتخصيص حالة الكبر بالذكر لكونها أشق الحالات التي تمر على الوالدين فيحسان فيها الحاجة إلى إعانة الأولاد لهما وقيامهم بواجبات حياتيهما التي يعجزان عن القيام بها ، وذلك من آمال الوالدين التي يأملانها من الأولاد حين يقومان بحضانتهم وتربيتهم في حال الصغر وفي وقت لا قدرة لهم على شيء من لوازم الحياة وواجباتها.
فالآية تدل على وجوب إكرامهما ورعاية الأدب التام في معاشرتهما ومحاورتهما في جميع الأوقات وخاصة في وقت يشتد حاجتهما إلى ذلك وهو وقت بلوغ الكبر من أحدهما أو كليهما عند الولد ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى : « وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً » خفض الجناح كناية عن المبالغة في التواضع والخضوع قولا وفعلا مأخوذ من خفض فرخ الطائر جناحه ليستعطف أمه لتغذيته ، ولذا قيده بالذل فهو دأب أفراخ الطيور إذا أرادت الغذاء من أمهاتها ، فالمعنى واجههما في معاشرتك ومحاورتك مواجهة يلوج منها تواضعك وخضوعك لهما وتذللك قبالهما رحمة بهما.