والحسن أوّل قوله (١) : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) بالمعراج (٢).
وقد رويت الروايتان بطرق صحيحة ، فالأولى الجمع والقول بمعراجين : أحدهما في النّوم ، والآخر في اليقظة (٣).
وروي أنّ المشركين سألوه عن بيت المقدس وما رآه في طريقه فوصفه لهم شيئا فشيئا ، وأخبرهم أنّه رأى في طريقه قعبا (٤) مغطى مملوء ماء فشرب منه ، ثم غطّاه كما كان ، ووصف لهم إبلا كانت في طريق الشّام يقدمها جمل أورق (٥) ، فوجدوا الأمر كما وصف.
__________________
وأخرج عن معاوية رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كانت رؤيا من الله تعالى صادقة». قال ابن إسحاق : «فلم ينكر ذلك من قولهما ...» السيرة : (١ / ٣٩٩ ، ٤٠٠).
وعلق الحافظ ابن كثير على نقل ابن إسحاق بقوله : «وقد توقف ابن إسحاق في ذلك ، وجوز كلّا من الأمرين من حيث الجملة ، ولكن الذي لا يشك فيه ولا يتمارى أنه كان يقظانا لا محالة لما تقدم ، وليس مقتضى كلام عائشة رضياللهعنها ـ أن جسده صلىاللهعليهوسلم ما فقد وإنما كان الإسراء بروحه أن يكون مناما كما فهمه ابن إسحاق ، بل قد يكون وقع الإسراء بروحه حقيقة وهو يقظان لا نائم وركب البراق وجاء بيت المقدس وصعد السماوات وعاين ما عاين حقيقة ويقظة لا مناما. لعل هذا مراد عائشة أم المؤمنين رضياللهعنها ، ومراد من تابعها على ذلك ، لا ما فهمه ابن إسحاق من أنهم أرادوا بذلك المنام ، والله أعلم» اه.
ينظر البداية والنهاية : (٣ / ١١٢ ، ١١٣).
(١) سورة الإسراء : آية : ٦٠.
(٢) ينظر قوله في السيرة لابن هشام : ١ / ٤٠٠ ، وتفسير الماوردي : ٢ / ٤٢١ ، وتفسير ابن كثير : ٥ / ٤١ ، والدر المنثور : ٥ / ٣٠٩.
وأخرج البخاري في صحيحه : ٥ / ٢٢٧ ، كتاب التفسير ، باب (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) عن ابن عباس رضياللهعنهما قال : «هي رؤيا عين أريها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة أسرى به ...».
(٣) ذكره ابن العربي في أحكام القرآن : ٣ / ١١٩٤ ، ورجحه السهيلي في الروض الأنف :٢ / ١٤٩ ، وأبو شامة المقدسي في نور المسرى : ١١٧.
(٤) أي قدحا.
اللسان : ١ / ٦٨٣ (قعب).
(٥) الأورق : الأسمر.