إنّهم كانوا يعبدون شجرة صنوبر ، يقال لها شاه درخت ، كان يافث بن نوح عليه السلام غرسها على شفير عين (١) يقال لها : روشاب ، وإنّما سمّوا أصحاب الرّس ، لأنّهم رسّوا نبيّهم في الأرض ، وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطىء نهرٍ يقال له : الرّس من بلاد المشرق ، ولم يكن يومئذٍ نهر أغزر منه ولا قرى أكبر منها ، وقد جعلوا في كلّ شهر من السّنة في كلّ قرية عيداً يجتمع إليه أهلها ، فيضربوا (٢) على الشّجرة الّتي غرسوا من حبّ تلك الصّنوبرة كلَّةً من حريرٍ ، ثمّ يأتون بشاة وبقرٍ فيذبحونهما قرباناً للشّجرة هذا عيد شهر كذا ، فاذا كان عيد قريتهم العظيمة الّتي فيها الصّنوبرة ضربوا سرداق ديباج عليه ، ويجتمع عليه صغيرهم وكبيرهم ويسجدون له (٣) ويقرّبون الذّبائح أضعاف ما قربوا للشّجرة الّتي في قراهم.
فلمّا طال كفرهم بعث الله نبيّاً يدعوهم إلى عبادة الله فلا يتّبعونه (٤) ، فلمّا رآى شدّة تماديهم ، قال : ياربّ إن عبادك أبوا إلّا تكذيبي فأيبس شجرهم ، فأصبح القوم وقد يبس أشجارهم كلّها فهالهم ذلك ، فقالت فرقة : سحر آلهتكم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه رسول ربّ السّماء والأرض ، وقالت فرقة : لا بل غضبت آلهتكم ، فحجبت حسنها لتنتصروا منه ، فاجتمع رأيهم على قتله ، فاتخذوا أنابيب طولاً من نحاس واسعة الافواه ، ثمَّ أرسلوها في قرار البئر واحدة فوق الأخرى مثل البرابخ (٥) ونزحوا ما فيها من الماء ، ثمَّ حفروا في قعرها بئراً ضيقة المدخل عميقة.
فأرسلوا فيها نبيّهم صلوات الله عليه والقموا فاها
صخرةً (٦) عظيمة ، ثمّ أخرجوا الأنابيب من الماء ، فبقي عامة قومه (٧) يسمعون أنين نبيّهم عليه
السلام ، وهو يقول : سيّدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي ، فارحم ضعف ركني وقلّة حيلتي ، وعجّل بقبض روحي ،
_________________________________
(١) في ق ٢ : على شفر عين.
(٢) في ق ١ : فيضربون.
(٣) في ق ٢ : لها.
(٤) في ق ٢ : فلم يتبعوه.
(٥) البرابخ : ما يعمل من الحرّف للبئر ومجاري الماء.
(٦) في ق ٣ : وألقوا فيها صخرة.
(٧) في ق ١ : فبقي عامة قومهم ، وفي ق ٣ : فبقي عاماً قومه.