كالحقلة ، وليس على وجه الارض مدينة إلّا ولها عرق إلى هذا الجبل ، فاذا أراد الله تعالى أن يزلزل مدينةً أوحى اليّ ، فحرّكت العرق الّذي إليها.
فلمّا أراد ذو القرنين الرّجوع قال : للملك أوصني قال : لا يُهِمَّنك رزق غد ، ولا تؤخّر عمل اليوم لغدٍ ، ولٰا تحزن على ما فاتك وعليك بالرّفق ، ولا تكن جباراً متكبراً.
ثمَّ إنّ ذا القرنين عطف على أصحابه ، ثمَّ عطف بهم نحو المشرق يستقري ما بينه وبين المشرق من الأمم ، فيفعل بهم مثل ما فعل بأُمم المغرب من العدل ، فبينما هو يسير إذ وقع على الأُمّة المحاكمة من قوم موسى صلوات الله عليه الّذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، فوجد أمّة عادلةً فقال لهم : أخبروني إنّي درت الدّنيا فلم أرَ مثلكم ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم ؟
قالوا : لئلّا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا.
قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب ؟
قالوا : ليس فينا متّهم ولا ظنين ولا لصّ ، وليس فينا إلّا أمين.
قال : فما بالكم ليس عليكم أمرآء ؟ قالوا : لا نتظالم.
قال : فما بالكم ليس بينكم حكّام ؟ قالوا : لا نختصم.
قال : فما بالكم ليس منكم ملوك ؟ قالوا : لا نتكاثر (١).
قال : فما بالكم ليس فيكم أشراف ؟ قالوا : لا نتنافس.
قال : فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون ؟ قالوا : من قبل انّا متواسون ومتراحمون.
قال : فما بالكم لا تتنازعون ولا تغتالون قالوا : من قبل ألفة قلوبنا وإصلاح ذات البين.
قال : فما بالكم لا تسبُّون ولا تقتلون ؟ قالوا : من قبل أنّا غلبنا طبائعنا بالعزم وسُسنا أنفسنا (٢) بالحلم.
قال : فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة ؟
قالوا : من قبل انا لا نتكاذب
_________________________________
(١) الزّيادة من البحار وبعض النّسخ من القصص.
(٢) في ق ٤ : ووسمنا أنفسنا ، وفي البحار : وسننا.