سليمان بن داود المنقري ، حدّثنا حماد بن عيسى قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لقمان وحكمته ، فقال : أما والله ما أُوْتِي الحكمة لحسب (١) ولا أهل ولا مال ولا بسطة في الجسم ولا جمال ، ولكنّه كان رجلاً قويّاً في أمر الله ، متورّعاً في دينه ، ساكتاً سكيناً ، عميق النّظر ، طويل التّفكر ، حديد البصر ، لم ينم نهاراً قطّ ، ولم ينم في محفل قوم قطّ ، ولم ينقل (٢) في مجلس قطّ ولم يعب أحداً بشيء قطّ ، ولم يره أحد من النّاس على بول ولا غائط قطّ ، ولا اغتسال ، لشدّة تستّره وعمق نظره وتحفّظٍ لذنوبه ، ولم يضحك من شيء قطّ ، ولم يغضب قطّ مخافة الإِثم في دينه ، ولم يمازح إنساناً قطّ ، ولم يفرح لشيءٍ أُوتيه من الدّنيا ، ولا حزن على ما فاته منها قطّ ، وقد نكح النّساء وولد له الاولاد الكثيرة وقدّم أكثرهم إفراطاً له ، فما بكى عند موت واحد منهم ، ولم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان إلّا أصلح بينهما ، ولم يسمع قولاً من أحد استحسنه إلّا سأل عن تفسيره وخبره عمن أخذه.
وكان يكثر مجالسة الحكماء (٣) والاختلاف إلى أهلها ، ويتواضع لهم ويغشي القضاة والملوك والسّلاطين ، فيرثي للقضاة بما ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسّلاطين لعدّتهم واغترارهم بالله وطمأنينتهم (٤) إلى الدّنيا وميلهم إليها وإلى زهرتها ، فيتفكّر في ذلك ويعتبر به ويتسلّم (٥) ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشّيطان ، وكان يداري نفسه بالعبر وكان لا يظعن إلّا فيما ينفعه ، ولا ينطق إلّا فيما يعنيه فبذلك أُوتي الحكمة ومنح العصمة.
وأنّ الله تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف
النّهار وهدأت العيون بالقائلة (٦) ، فنادوا لقمان من حيث يسمع كلامهم ولا يراهم ، فقالوا : يا لقمان هل لك أن يجعلك
الله
_________________________________
(١) في البحار : ما أوتي لقمان الحكمة بحسب.
(٢) أي : لم يتحول من مكان الى مكان آخر في المجلس الواحد ، وفي ق ١ : ولم يثقل. أي : أنّه لا يستبان منه وجود ثقل من حمل ما في بطنه وجوفه. والظّاهر : ولم يتفل.
(٣) في البحار : وعمن أخذه وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء. وليس قوله « والاختلاف الى أهلها » في البحار ، وهو الاوجه.
(٤) في البحار : والسلاطين لغرّتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك.
(٥) في البحار : ويتعلم. وهو الأوفق.
(٦) أي : النّوم عند نصف النّهار.