خليفة تحكم بين النّاس ؟ فقال لقمان : إن أمرني ربي بذلك فسمعاً وطاعةً ، لأنّه إن فعل ذلك بي أعانني وأغاثني وعلّمني وعصمني وإن هو عزّ وجلّ خيّرني قبلت العافية فقالت الملائكة : ولِمَ يا لقمان ؟ قال : لأنّ الحكم بين النّاس أشدّ المنازل من الدّين وأكثر فتناً وبلاءاً ، يخذل صاحبه ولا يعان ويغشاه الظّلم من كلّ مكان وصاحبه منه بين أمرين إن أصاب فيه الحقّ فبالحري أن يسلم وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة ومن يكن في الدّنيا ذليلاً وضيعاً (١) بين الناس لا يعرف كان أهون عليه في المعاد وأقرب من الرّشاد من أن يكون (٢) فيها حاكماً سريّاً جليلاً ، ومن اختار الدّنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول عنه هذه ولا يدرك تلك ، قال : فعجبت الملائكة ذلك من حكمته واستحسن الرّحمن منطقه ، فلمّا أمسى وأخذ مضجعه من اللّيل أنزل الله عليه الحكمة فغشّاه بها ، فاستيقظ وهو أحكم أهل الأرض في زمانه يخرج (٣) على النّاس ، ينطق بالحكمة ويبثّها فيهم ، وأمر الملائكة فنادت داوُدَ بالخلافة في الأرض فقبلها ، وكان لقمان يكثر زيارة داود عليهما السّلام وكان داود يقول : يا لقمان أُوْتيت الحكمة وصرفت عنك البليّة (٤).
فصل ـ ٣ ـ
٢٤٢ ـ وبالاسناد المذكور عن جعفر بن محمّد الصّادق عليهما
السّلام أنّه قال : لمّا وعظ لقمان ابنه ، فقال : أنا منذ سقطت إلى الدّنيا استدبرت واستقبلت الآخرة ، فدارٌ
أنت إليها تسير أقرب من دار أنت منها متباعد ، يا بنيّ لا تطلب من الأمر مدبراً ولا
ترفض منه مقبلاً ، فانّ ذلك يضلّ الرّأي ويزري بالعقل ، يا بنيّ لِيَكُن ما تستظهر به على
عدوّك : الورع عن المحارم ، والفضل في دينك ، والصّيانة لمروّتك ، والاكرام لنفسك أن لا تدنّسها (٥) بمعاصي الرّحمن ومساوئ الاخلاق وقبيح الافعال ، واكتم سرّك ، واحسن سريرتك ، فانّك
_________________________________
(١) في ق ٣ والبحار : وضعيفاً.
(٢) في ق ١ و ٥ : وأقرب من أن يكون.
(٣) الزّيادة من ق ٣ والبحار.
(٤) بحار الانوار (١٣ / ٤٠٩ ـ ٤١١) عن تفسير القمي ، وراجع الوافي (٣ / ٨٤ ـ ٨٥) أبواب المواعظ.
(٥) كذا في ق ١ وفي غيره من النّسخ والبحار : أن تدنّسها وما في المتن أسرع إلى الفهم العرفي.