كيف أمرك الله أن تفعل بالشّجرة أمرك أن تجتثّها من أصلها ؟ أم أمرك أن تأخذ بعضها ؟ فناداه الملك الأعلى إنّ الله تعالى يقول : خذ منها وأبق ، فنظرت إلى الملك حتّى ضرب رأسها بفاسه ، فانقطع وتفرّق ما كان عليها من الطّير ، وما كان تحتها من السّباع والوحوش ، وبقي الجذع لا هيئة له ولا حسن.
فقال بخت نصّر : فهذه الرؤيا رأيتها ، فما تأويلها ؟
قال : أنت الشّجرة ، وما رأيت في رأسها من الطّيور فولدك وأهلك ، وأمّا ما رأيت في ظلّها من السّباع والوحوش فخولك ورعيّتك وكنت قد أغضبت الله فيما تابعت قومك من عمل الصّنم ، فقال بخت نصّر : كيف يفعل ربّك بي ؟ قال : يبتليك ببدنك ، فيمسخك سبع سنين ، فإِذا مضت رجعت إنساناً كما كنت أوّل مرّة.
فقعد بخت نصّر يبكي سبعة أيّام ، فلمّا فرغ من البكاء ظهر فوق بيته ، فمسخه الله عقاباً فطار ، وكان دانيال عليه السلام يأمر ولده وأهل مملكته أن لا يغيّروا من أمره شيئاً حتّى يرجع إليهم ، ثمّ مسخه الله في آخر عمره بعوضة ، فأقبل يطير حتّى دخل بيته ، فحوّله الله إنساناً فاغتسل بالماء ولبس المسوخ.
ثمّ أمر بالنّاس ، فجمعوا ، فقال : إنّي وايّاكم كنّا نعبد من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ، وأنّه قد تبيّن لي من قدرة الله تعالى جلّ وعلا في نفسي أنّه لا إله إلّا الله إله بني إسرائيل ، فمن تبعني فإِنّه منّي وأنا وهو في الحقّ سواء ، ومن خالفني ضربته بسيفي حتّى يحكم الله بيني وبينكم ، وإنّي قد أجّلتكم إلى اللّيلة ، فإِذا أصبحتم فأجيبوني ، ثمّ انصرف ودخل بيته وقعد على فراشه ، فقبض الله تعالى روحه.
وقصّ وهب قصّته هذه عن ابن عباسّ ثمّ قال : ما أشبه إيمانه بإيمان السّحرة (١).
فصل ـ ٣ ـ
٢٧١ ـ ولمّا توفيّ بخت نصّر تابع النّاس ابنه ، وكانت
الأواني الّتي عملت الشّياطين
_________________________________
(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠) ، برقم : (٨). وللعلّامة المجلسي هنا بيان يشجب فيه هذه القصص المنقولة عن وهب. إن شئت فراجعه.