الخير قلوبكم معاشر اليهود في زمان موسى صلوات الله عليه ، ومن الآيات والمعجزات الّتي شاهدتموها من محمّد صلّى الله عليه وآله فهي كالحجارة اليابسة لا ترشح برطوبة ، أي : انّكم لا حقّ لله تؤدّون ولا مكروباً تغيثون ولا بشيء من الإِنسانيّة تعاشرون وتعاملون أو أشدّ قسوة أبهم على السّامعين ولم يبيّن لهم ، كما يقول القائل : أكلت خبزاً أو لحماً ، وهو لا يريد به أنّي لا أدري ما أكلت بل يريد به أن يبهم على السّامعين حتّى لا يعلم ماذا أكل وان كان يعلم أنّه قد أكل أيّهما « وإنّ من الحجار لما يتفجّر منه الأنهار » فيجيء بالخير والغياث لبني آدم ، وأنّ منها أي : من الحجارة ما يشقّق فيقطر منه الماء دون الأنهار ، وقلوبكم لا يجيء منها الكثير من الخير ولا القليل ، ومن الحجارة إن أقسم عليها باسم الله تهبط ، وليس في قلوبكم شيء منه.
فقالوا : يا محمّد : زعمت أنّ الحجارة ألين من قلوبنا وهذه الجبال بحضرتنا ، فاستشهدها على تصديقك فان نطقت بتصديقك فأنت المحق ، فخرجوا إلى أوعر جبل ، فقالوا : استشهده. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أسألك بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش على كواهل ثمانية من ملائكته بعد أن لم يقدروا على تحريكه ، فتحرّك الجبل وفاض الماء ، ونادى أشهد أنّك رسول ربّ العالمين ، وأنّ هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة.
فقالت اليهود : أعلينا تلبّس ؟ أجلست أصحابك خلف هذا الجبل ينطقون بمثل هذا ، فإن كنت صادقاً فتنحّ من موضعك هذا إلى ذلك القرار ، ومر هذا الجبل يسير إليك ، ومره أن يتقطع نصفين ترتفع السّفلى وتنخفض العليا ، فأشار صلّى الله عليه وآله إلى حجر فتدحرج ، ثمّ قال لمخاطبه : خذه وقرّبه ، فسيعيد عليك ما سمعت ، فانّ هذا من ذلك الجبل ، فأخذه الرّجل فأدناه إلى اُذنه فنطق الحجر مثل مانطق به الجبل قال : فأتني بما اقترحت.
فتباعد رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى فضاءٍ
واسعٍ. ثمَّ نادى أيّها الجبل بحقّ محمّد وآله الطّيّبين لمّا اقتلعت من مكانك باذن الله تعالى وجئت إلى حضرتي ، فنزل الجبل
وصار كالفرس الهملاج (١) ونادى ها أنا سامع
ومطيع مرني ، فقال : هؤلاء اقترحوا عليَّ أن آمرك أن تتقطع من أصلك فتصير نصفين ، ثمَّ ينحط أعلاك ويرتفع أسفلك. فتقطع نصفين وارتفع
_________________________________
(١) دابة هملاج : حسنة السّير في سرعة وبخترة ، في المذكّر والمؤنّث سواء.