يحرسونه بالنّهار فأصابهم الجهد.
وكان من دخل مكّة من العرب لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئاً ، ومن باع بني هاشم شيئاً انتهبوا ماله ، وكان ابوجهل والعاص بن وائل السّهمي والنّضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطّرقات الّتي تدخل مكّة ، فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئاً ، ويحذّرونه إن باع شيئاً منهم انتهبوا ماله ، وكانت خديجة لها مال كثير وأنفقته على رسول الله صلّى الله عليه وآله في الشّعب ، ولم يدخل في حلف الصّحيفة مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد المطلب (١) بن عبد مناف ، وقال : هذا ظلم ، وختموا الصّحيفة بأربعين خاتماً كلّ رجل من رؤساء قريش بخاتمه ، وعلّقوها في الكعبة ، وتابعهم على ذلك ابولهب.
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يخرج في كلّ يوم موسم ، فيدور على قبائل العرب ، فيقول لهم : تمنعون لي جانبي حتّى أتلو عليكم كتاب ربّكم وثوابكم الجنّة على الله ، وأبو لهب في إثره فيقول : لا تقبلوا منه ، فانّه ابن أخي وهو كذّاب ساحر ، فلم يزل هذا حالهم.
وبقوا في الشّعب أربع سنين لا يأمنون إلّا من موسم إلى موسم ، ولا يشترون ولا يبيعون إلّا في الموسم ، وكان يقوم بمكّة موسمان في كلّ سنة : موسم العمرة في رجب ، وموسم الحج في ذي الحجّة ، فكان إذا اجتمعت المواسم يخرج بنو هاشم من الشّعب ، فيشترون ويبيعون ، ثمّ لا يجسر أحد منهم أن يخرج الى الموسم الثّاني ، وأصابهم الجهد وجاعوا ، وبعث قريش إلى أبي طالب : ادفع إلينا محمّداً نقتله ونملّكك علينا ، وقال ابوطالب رضي الله عنه : قصيدته أللّاميّة يقول فيها :
ولمّا رأيت القوم لا ودّ منهم (٢) |
|
وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل |
وأبيض يستسـقي الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
_________________________________
(١) والظّاهر أنّ ذكر عبد المطلب في سلسلة النّسب من غلط النّساخ ، كما يظهر من مراجعة كتب التّواريخ والانساب والرّجال فانّه : مطعم بن عدّي بن نوفل بن عبد مناف. وقد ترجم الشّيخ في رجال ص (١٤) ، برقم : (٢٣) ابنه جبير بنفس النّسب.
(٢) في البحار : فيهم.