فصل ـ ٨ ـ
٤١٢ ـ ذكر عليّ بن إبراهيم أنّ سعد بن زرارة وذكوان خرجا إلى عمرة رجب ، وكان أسعد صديقاً لعتبة بن ربيعة ، فنزل عليه ، فقال له : إنّه كان بيننا وبين قومنا حروب ، وقد جئناك نطلب الحلف عليهم ، فقال عتبة : بعدت دارنا من داركم ولنا شغل لا نتفرّغ لشيء قال : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم ؟ فقال عتبة : خرج فينا رجلٌ يدّعي أنّه رسول الله سفّه أحلامنا (١) ، فقال أسعد ومن هو منكم ؟ قال : محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب من أوسطنا شرفاً وأعظمنا بيتاً.
وكان أسعد وذكوان وجيمع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الّذين كانوا بينهم النّضير وقريظة وقينقاع أنّ هذا أوان نبيّ يخرج من مكّة يكون مهاجره بالمدينة ، فلمّا سمع أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود ، قال : أين هو ؟ قال : هو جالس في الحجر ، فلا تكلّمه فانّه ساحرٌ يسحرك بكلامه ، قال أسعد : كيف أصنع وأنا معتبر لا بدّ لي أن أطوف بالبيت ؟ قال : ضع أُذنك القطن.
فدخل أسعد المسجد وقد حشا أُذنيه القطن ، فطاف بالبيت ورسول الله صلّى الله عليه وآله في الحجر مع بني هاشم ، فنظر إليه نظرةً وجازه ، فلمّا كان في الشّوط الثّاني رمى القطن وقال في نفسه : لا أحد أجهل منّي ، فقال : أنعم صباحاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد أبدلنا الله أحسن (٢) من هذا ، تحية أهل الجنّة : سلامٌ عليكم ، فقال : أشهد أن لا اله إلّا الله ، وأنّك رسول الله ، أنا من أهل يثرب من الخزرج ، وبيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة ، فإن وصلها الله بك ، فلا أحد أعزّ منك ، ومعي رجل من قومي فان دخل في هذا الامر أرجو أن يتم الله لنا أُمورنا فيك ، لقد كنّا نسمع من اليهود خبرك وصفتك ، وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك ، فقد أعلمنا اليهود ذلك ، فالحمد لله الّذي ساقني إليك.
ثمّ أقبل ذكوان ، فقال له أسعد : هذا رسول الله
الّذي كانت اليهود تبشّرنا به تخبرنا
_________________________________
(١) في البحار : سفه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرّق جماعتنا.
(٢) في البحار : قد أبدلنا الله به ما هو أحسن.