بصفته ، فأسلم ذكوان وقالا : يا رسول الله ابعث معنا رجلاً يعلّمنا القرآن كثيراً ، فبعث معهما مصعب ، فنزل على أسعد ، وأجاب من كلّ بطن الرّجل والرّجلان لمّا أخبروهم بخير رسول الله وأمره.
وكان مصعب يخرج في كلّ يوم ، فيطوف على مجالس الخزرج يدعوهم إلى الاسلام فيجيبه الأحدث ، وقال سعد لمصعب : إنّ خالي سعد بن معاذ من رؤساء الأوس ، فإن دخل في هذا الأمر تمّ لنا أمرنا ، فجاء مصعب مع أسعد إلى محلة سعد بن معاذ ، وقعد على بئر من آبارهم ، واجتمع إليه قوم من أحداثهم ، وهو يقرأ عليهم القرآن ، فبلغ ذلك سعد بن معاذ ، فقال لأسيد بن حصين ـ وكان من أشرافهم ـ : بلغني أنّ أسعد أتى محلّتنا مع هذا القرشي يفسد شبابنا ائته وانهه عن ذلك ، فأتى أسيد وقال لأسعد : يا أبا أمامة يقول لك خالك : لا تأتينا في نادينا ولا تفسد شبابنا.
فقال مصعب : أو تجلس فنعرض عليك أمراً ؟ فإن أحببته دخلت فيه ، وإن كرهته نحّينا عنك ما تكره ، فجلس فقرأ عليه سورةً ، فأسلم أسيد ، ثمّ رجع إلى سعد بن معاذ ، فلمّا نظر إليه سعد قال : أقسم انّ أسيداً رجع إلينا بغير الوجه الّذي ذهب من عندنا ، وأتاهم سعد فقرأ عليه أسعد : « حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ » فلمّا سمع بعث إلى منزله وأتى بثوبين طاهرين ، واغتسل وشهد الشّهادتين ، وصلّى ركعتين ، ثمّ قام وأخذ بيد مصعب وحوّله إليه وقال : أظهر أمرك ولا تهابنّ أحداً.
ثمّ صاح لايبقيّن رجل ولا امرأة إلّا خرج ، فليس هذا يوم ستر ولا حجاب ، فلمّا اجتمعوا قال : كيف حالي عندكم ؟ قالوا : أنت سيّدنا والمطاع فينا ، ولا نردّ لك أمراً ، فقال : كلام رجالكم ونساؤكم علي حرام حتّى تشهدوا أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والحمد لله الّذي أكرمنا بذلك ، وهو الّذي كانت اليهود تخبرنا به ، وشاع الاسلام بالمدينة ودخل فيه من البطنين أشرافهم.
وكتب مصعب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك فكلّ من دخل في الاسلام من قريش ضربه قومه وعذّبوه ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يأمرهم أن يخرجوا إلى المدينة ، فيصيرون إليها فينزلهم الأوس والخزرج عليهم ويواسونهم (١).
_________________________________
(١) بحار الانوار (١٩ / ٨ ـ ١٢) عن إعلام الورى مع إختلاف في بعض الالفاظ.