خشبهما من أطيب خشب عود ، وعليهما نجوم من ياقوت أصفر وياقوت أحمر ، ضوئهما قد ملأ المكان ، فلمّا رآى ذلك أعجبه ، ففتح أحد البابين فدخل ، فإِذا بمدينة لم ير الراؤون مثلها ، واذا هو بقصور كل قصر معلق تحته أعمدة من زبرجد وياقوت ، وفوق كلّ قصر منها غرف ، وفوق الغرف غرف مبنيّة بالذهب والفضّة والياقوت واللّؤلؤ والزّبرجد ، وعلى كلّ باب من أبواب تلك القصور مصراع مثل مصراع باب المدينة من عود طيب قد نضدت عليه اليواقيت (١) وقد فرشت تلك القصور باللؤلؤ وبنادق المسك والزّعفران.
فلمّا رآى ذلك ولم ير هناك أحداً أفزعه ذلك ، ثمّ نظر إلى الأزقة ، فاذا في كلّ زقاق منها أشجار قد أثمرت تحتها أنهار تجري ، فقال : هذه الجنّة الّتي وضعت لعباد الله في الدّنيا فالحمد لله الّذي أدخلني الجنّة ، فحمل من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزّعفران ، فانّها كانت منثورة (٢) بمنزلة الرّمل ، ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ولا من ياقوتها ، لانّه كان مثبتاً في أبوابها وجدرانها ، فأخذ ما أراد وخرج إلى اليمن ، فأظهر ما كان منه ، وأعلم النّاس أمره ، وفشا خبره وبلغ معاوية ، فأرسل رسولاً إلى صاحب صنعاء ، وكتب بإِشخاصه فشخص حتى قدم على معاوية وخلا به وسأله عمّا عاين ، فقصّ عليه أمر المدينة وما رآى فيهٰا ، وعرض عليه ما حمله منها.
فبعث معاوية إلى كعب الاحبار ودعاه ، وقال : يا أبا إسحاق هل بلغك أنّ في الدّنيا مدينةً مبنيّة بالذّهب والفضّة ؟ فقال كعب الأحبار : أما هذه المدينة ، فصاحبها شدّاد بن عاد الّذي بناها ، فهي إرم ذات العماد ، وهي الّتي وصفها الله تعالى في كتابه المنزل على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله ، قال معاوية : حدّثنا بحديثها.
فقال : إنّ عاد الاولى ـ وليس بعاد قوم هود ـ كان
له إبنان يسمّى أحدهما « شديد » والآخر « شدّاد » فهلك عاد وبقيا وملكا وتجبّرا ، وأطاعهما النّاس في الشّرق
والغرب فمات شديد وبقي شدّاد ، فملك وحده ولم ينازعه أحد ، وكان مولعاً بقراءة الكتب ، وكان
كلّما يذكر الجنّة رغب أن يفعل مثلها في الدّنيا عتوّاً على الله تعالى ، فجعل على
صنعتها مائة
_________________________________
(١) في ق ٢ : الياقوت.
(٢) في ق ١ وق ٢ : منشورة.