مطالعة الذات. ويقال لهذا أنس الذات وهيبة الذات. وهذا حال شريف يحصل للسالك بعد طهارة الباطن (١). وفي اصطلاحات (٢) الشيخ محي الدين العربي : الأنس أثر مشاهدة جمال الحضرة الإلهية في القلب ، وهو جمال الجلال انتهى.
الإنسان : [في الانكليزية] Man ـ [في الفرنسية] L\'homme
بالكسر وسكون النون قال الإمام الرازي في التفسير الكبير في تفسير قوله تعالى : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (٣) اعلم أنّ العلم الضروري حاصل بأن هاهنا شيئا يشير إليه الإنسان بقوله أنا ، فالمشار إليه إمّا أن يكون جسما أو عرضا أو مجموعهما ، أو شيئا مغايرا لهما أو ما يتركب منهما ، ومن ذلك الشيء الثالث. أمّا القسم الأول وهو أن يقال إنّ الإنسان جسم فذلك الجسم إمّا هذه البنية المخصوصة أو جسم داخل في هذه البنية أو جسم خارج عنها.
أما القائلون بأنّ الإنسان عبارة عن هذه البنية المخصوصة المحسوسة وعن هذا الهيكل المجسّم المحسوس ، فهم جمهور المتكلمين.
وهذا القول باطل عندنا لأن العلم البديهي حاصل بأنّ أجزاء هذه الجثّة متبدّلة زيادة ونقصانا بحسب النموّ والذبول والسّمن والهزال ، وزيادة عضو من الأعضاء وإزالته. ولا شكّ أنّ المتبدّل المتغيّر مغاير للثابت الباقي ولأنّ كل أحد يحكم بصريح عقله بإضافة كل من أعضائه إلى نفسه ، فيقول رأسي وعيني ويدي ، والمضاف غير المضاف إليه. وقول الإنسان نفسي وذاتي يراد به البدن فإنّ نفس الشيء كما يراد به ذاته التي إليها يشير كل أحد بقوله أنا ، كذلك يراد به البدن ، ولأنّ الإنسان قد يكون حيّا مع كون البدن ميتا ، قال الله تعالى (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٤) الآية. وقال (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (٥) وقال (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٦) ومثل هذه الآيات كثيرة دالّة على تغاير الإنسان والبدن ، ولأن جميع فرق الدنيا من الهند والروم والعرب والعجم وجميع أرباب الملل من اليهود والنصارى والمجوس والمسلمين وغيرهم يتصدّقون عن موتاهم ويدعون لهم بالخير ، ولو لا أنهم بعد موت الجسد بقوا أحياء لكان التصدّق والدّعاء لهم عبثا. فهذه الدلائل تدلّ على أنّ الإنسان ليس بجسم ، وأنّ الإنسان غير محسوس لأن حقيقته مغايرة للسطح واللون ، وكلّ ما هو مرئي فهو السطح واللون ، فثبت أنّ الإنسان ليس جسما ولا محسوسا فضلا عن كونه جسما محسوسا.
وأما أنّ الإنسان جسم موجود في داخل البدن ففيه أقوال ، وضبطها أنّ الأجسام الموجودة في هذا العالم السفلي إمّا أن تكون أحد العناصر الأربعة أو تكون متولّدة من
__________________
(١) وانس وهيبت دو نوع اند. يكى آنست كه ظاهر ميشوند هر دو پيش از فنا از مطالعه صفات جلال وجمال واين مقام تلوين است. دوم آنست كه ظاهر ميشوند بعد از فنا در مقام تمكين وبقا بواسطة مطالعه ذات واين را انس ذات وهيبت ذات گويند واين حالي شريف است كه ميباشد سالك را بعد طهارت باطن.
(٢) التعريفات أو اصطلاحات الصوفية للشيخ الأكبر محمد بن علي بن محمد بن العربي الطائي محي الدين أبي عبد الله المعروف بابن عربي. هدية العارفين ٦ / ١١٤. وقد نشره رفيق العجم في مجلة الأبحاث ، بيروت ، الجامعة الأميركية ، عدد ٣٦ / ١٩٨٨.
(٣) الأسراء / ٨٥.
(٤) آل عمران / ١٦٩.
(٥) غافر / ٤٦.
(٦) نوح / ٢٥.