أطول منه فهو إيجاز قصر. وقال بعضهم إيجاز القصر هو تكثير المعنى بتقليل اللفظ. وقال آخر : هو أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقل من القدر المعهود عادة. وسبب حسنه أنّه يدلّ على التمكين في الفصاحة. ولهذا قال صلىاللهعليهوآلهوسلم «أوتيت جوامع الكلم» (١).
وقال الطيبي : الإيجاز الخالي من الحذف ثلاثة أقسام : أحدها إيجاز القصر ، وهو أن يقصر اللفظ على معناه كقوله تعالى (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) (٢) إلى قوله تعالى (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (٣) جمع في أحرف العنوان والكتاب والحاجة. وقيل في وصف بليغ كانت ألفاظه قوالب معناه. قلت وهذا رأي من يدخل المساواة في الإيجاز. وثانيها إيجاز التقدير وهو أن يقدّر معنى زائد على المنطوق ويسمّى بالتضييق أيضا ، وبه سمّاه بدر الدين بن مالك في المصباح لأنه نقص من الكلام ما صار لفظه أضيق من قدر معناه نحو (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ) (٤) أي خطاياه غفرت فهي له لا عليه ونحو (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٥) أي للضالين الصائرين بعد الضلال إلى التقوى. وثالثها الإيجاز الجامع وهو أن يحتوي اللفظ على معان متعددة نحو (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (٦) الآية ، فإنّ العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المؤتى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق والعبودية ، والإحسان هو الإخلاص في واجبات العبودية لتفسيره في الحديث بقوله «أن تعبد الله كأنك تراه» (٧) أي تعبده مخلصا في نيّتك ، واقفا في الخضوع ، وإيتاء ذي القربى هو الزيادة على الواجب من النوافل. هذا في الأوامر ، وأما في النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية ، وبالمنكر إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية ، أو كل محرّم شرعا ، وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية. قلت ولهذا قال ابن مسعود : ما في القرآن آية أجمع للخير والشرّ من هذه الآية. ومن بديع الإيجاز قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (٨) إلى آخرها ، فإنه نهاية التنزيه وقد تضمن الردّ على نحو أربعين فرقة ، كما أفرد ذلك بالتصنيف بهاء الدين بن شدّاد.
تنبيهات
الأول : ذكر قدامة من أنواع البديع الإشارة وفسرها بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمّة ، وهذا هو إيجاز القصر بعينه. لكن فرّق بينهما ابن أبي الإصبع بأن الإيجاز دلالته مطابقة ، ودلالة الإشارة إمّا تضمّن أو التزام ؛ فعلم أنّ المراد بها هي إشارة النص.
الثاني : ذكر القاضي أبو بكر في إعجاز القرآن أنّ من الإيجاز نوعا يسمّى التضمين ، وهو حصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم هي عبارة عنه.
الثالث : ذكر ابن الأثير أنّ من أنواع إيجاز
__________________
(١) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند ، ٢ / ٢٦٨ ، عن أبي هريرة بلفظ «نصرت بالرعب ، واتيت جوامع الكلم ، وبينما أنا نائم إذ جيء بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي».
(٢) النمل / ٣٠.
(٣) النمل / ٣١.
(٤) البقرة / ٢٧٥.
(٥) البقرة / ٢.
(٦) النحل / ٩٠.
(٧) أخرجه مسلم في صحيحه ، ١ / ٣٧ ـ ٣٨ ، عن عمر بن الخطاب ، كتاب الإيمان (١) ، باب بيان الإيمان والإسلام (١) ، حديث رقم ١ / ٨ ، من حديث طويل بلفظ : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فهو يراك».
(٨) الإخلاص / ١.