التجريد بدونه كما عرفت. ومنها ما يكون بطريق الكناية نحو قول الشاعر (١) :
يا خير من يركب المطي ولا. |
|
يشرب كأسا بكفّ من بخلا. |
أي يشرب الكأس بكفّ جواد ، فقد انتزع من الممدوح جوادا يشرب هو الكأس بكفه على طريق الكناية لأنه إذا نفى عنه الشرب بكفّ البخيل فقد أثبت له الشرب بكف الكريم ، ومعلوم أنّه يشرب بكفّه فهو ذلك الكريم. ومنها مخاطبة الإنسان نفسه فإنّه ينتزع فيها من نفسه شخصا آخر مثله في الصفة التي سبق لها الكلام ، ثم يخاطبه نحو :
لا خيل عندك تهديها ولا مال. |
|
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال. |
المراد بالحال الغنى فكأنه انتزع من نفسه شخصا آخر مثله في فقد الحال والمال والخيل.
فائدة :
قيل إنّ التجريد لا ينافي الالتفات بل هو واقع بأن يجرّد المتكلم نفسه من ذاته ويخاطبه لنكتة كالتوضيح في : تطاول ليلك بالإثمد.
وردّه السيّد السّند بأنّ المشهور عند الجمهور أنّ المقصود من الالتفات إرادة معنى واحد في صور متفاوتة ، والمقصود من التجريد المبالغة في كون الشيء موصوفا بصفة وبلوغه النهاية فيها بأن ينتزع منه شيء آخر موصوف بتلك الصفة ، فمبنى الالتفات على ملاحظة اتّحاد المعنى ، ومبنى التجريد على اعتبار التغاير ادعاء ، فكيف يتصوّر اجتماعهما. نعم ربّما أمكن حمل الكلام على كلّ منهما بدلا عن الآخر. وأما أنّهما مقصودان معا فلا ، مثلا إذا عبّر المتكلّم عن نفسه بطريق الخطاب أو الغيبة فإن لم يكن هناك وصف يقصد المبالغة في اتصافها به لم يكن ذلك تجريدا أصلا ، وإن كان هناك وصف يحتمل المقام المبالغة فيه فإن انتزع من نفسه شخصا آخر موصوفا به فهو تجريد ليس من الالتفات في شيء ، وإن لم ينتزع بل قصد مجرد الافتتان في التعبير عن نفسه كان التفاتا. هذا كله خلاصة (٢) ما في المطول وحواشيه.
تجزئة النّسبة : [في الانكليزية] Division of fractions ـ [في الفرنسية] Division des fractions
قد مرّ ذكرها في لفظ التأليف. والنسبة الحاصلة من التجزئة تسمّى بالنسبة المنقسمة.
وقد يعبّر عن التجزئة بإلقاء عن نسبة أخرى على ما في بعض حواشي تحرير أقليدس.
التّجلّي : [في الانكليزية] Manifestation ، transfiguration ـ [في الفرنسية] Manifestation ، transfiguration
في اللغة بمعنى الظهور. وعند السالكين عبارة عن ظهور ذات الله وصفاته ، وهذا هو التجلّي الرباني ، ويتجلّى الروح أيضا. قال في مجمع السّلوك : التّجلّي هو عبارة عن ظهور الذّات والصفات الإلهية ، وللروح أيضا نوع من التّجلّي ، حينا صفات الروح تتجلّى مع ذات الرّوح ، ويظنّ السالك أنّه تجلّي الحق ، وهنا يجب على المريد أن يلجأ للمرشد كي ينجو من الهلاك. والفرق بين التجلّي الروحاني والتجلّي الربّاني هو أنّ التجلّي الروحاني يكون منه
__________________
(١) الأعشى : هو ميمون بن قيس بن جندل ، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي ، أبو بصير المعروف بأعشى قيس. ولد بالقرب من الرياض في بلدة اسمها منفوحة وفيها توفي عام ٧ هـ / ٦٢٩ م. من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية وأحد أصحاب المعلقات. عمّر طويلا وأدرك الإسلام ولم يسلم. ولقب بالأعشى لضعف بصره. الأعلام ٧ / ٣٤١ ، معاهد التنصيص ١ / ١٩٦ ، خزانة البغدادي ١ / ٨٤ ، الأغاني ٩ / ١٠٨ ، تاريخ آداب اللغة ١ / ١٠٩ ، الشعر والشعراء ٧٩.
(٢) خلاصة (ـ م).