أزله وأزله عين أبده لأنّه عبارة عن انقطاع الطرفين الإضافيين عنه ليتفرّد بالبقاء لذاته.
فسمّي تعقّل الإضافة الأوليّة (١) عنه ووجوده قبل تعقّل الأوليّة أزلا. وسمّي انقطاع الإضافة الآخريّة عنه وبقائه بعد تعقل الآخرية ابدا.
والأزل والأبد لله تعالى صفتان أظهرتهما الإضافة الزمانية لتعقّل وجوب وجوده ، وإلاّ فلا أزل ولا أبد ، «كان الله ولم يكن معه شيء» (٢).
وفي تعريفات (٣) السيّد الجرجاني الأبد مدة لا يتوهّم انتهاؤها بالفكر والتأمّل البتّة.
الإبداع : [في الانكليزية] Creativity ـ [في الفرنسية] Creativite
في اللغة إحداث شيء على غير مثال سبق. وفي اصطلاح الحكماء إيجاد شيء غير مسبوق بالعدم ، ويقابله الصّنع وهو إيجاد شيء مسبوق بالعدم ، كذا ذكر شارح الإشارات في صدر النمط الخامس. قال الشيخ ابن سينا في الإشارات (٤) الإبداع هو أن يكون من الشيء وجود لغيره متعلّق به فقط دون متوسّط من مادّة أو آلة أو زمان ، وما يتقدّمه عدم زمانا لم يستغن عن متوسّط. وقال شارحه هذا تنبيه على أنّ كل مسبوق بعدم فهو مسبوق بزمان ومادة ، والغرض منه عكس نقيضه ، وهو أنّ كلّ ما لم يكن مسبوقا بمادة وزمان فلم يكن مسبوقا بعدم.
وتبيّن من إضافة تفسير الإبداع إليه أنّ الإبداع هو أن يكون من الشيء وجود لغيره من غير أن يسبقه عدم سبقا زمانيا. وعند هذا يظهر أنّ الصّنع والإبداع يتقابلان على ما استعملهما الشيخ في صدر هذا النمط الخامس.
ثم الإبداع أعلى رتبة من التكوين والإحداث ، فإنّ التكوين هو أن يكون من الشيء وجود مادّي ، والإحداث أن يكون من الشيء وجود زماني ، وكلّ واحد منهما يقابل الإبداع من وجه. والإبداع أقدم منهما لأنّ المادة لا يمكن أن تحصل بالتكوين ، والزمان لا يمكن أن يحصل بالإحداث لامتناع كونهما مسبوقين بمادّة أخرى وزمان آخر. فإذا التكوين والإحداث مترتبان على الإبداع ، وهو أقرب منهما إلى العلّة الأولى ، فهو أعلى رتبة (٥) منهما ، وليس في هذا البيان موضع خطاب (٦) كما وهم ، انتهى.
وقال السيّد السند في حاشية شرح خطبة الشمسية (٧) الإبداع في الاصطلاح إخراج الشيء من العدم إلى الوجود ـ بغير مادة ، انتهى. أقول والمراد بالعدم السابق على ذلك الشيء المخرج هو السابق سبقا غير زماني ، فإنّ المجرّدات قديمة عندهم ، فلا يخالف هذا ما سبق ، وسيجيء ما يتعلّق بهذا في لفظ التكوين.
وعند البلغاء هو أن يشتمل الكلام على عدة ضروب من البديع. قال ابن أبي الإصبع (٨)
__________________
(١) الأزلية (م).
(٢) كان الله ولم يكن معه شيء : أخرجه العجلوني في الخفاء ٢ / ١٧١ ، رقم ٢٠١١ ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، ٨ / ٤ ، عن عمران بن حصين ، بلفظ : وليس شيء غيره ، واخرجه الحاكم من مستدركه ، ٢ / ٣٤١ ، عن بريدة الاسلمي ، كتاب التفسير / هود ، بلفظ : ولا شيء غيره ، وقال عقبه : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه.
(٣) التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني (ـ ٨١٦ هـ / ١٤١٣ م). كشف الظنون ١ / ٤٢٢.
(٤) الإشارات والتنبهات لأبي على الحسين بن عبد الله بن علي بن سينا ، الشيخ الرئيس (ـ ٤٢٨ هـ / ١٠٣٦ م). نشره P.J.Forget مع ترجمة إلى الفرنسية في ليدن سنة ١٨٩٢ م في ٢٢٤+ ١٠ صفحة. كشف الظنون ١ / ٩٤ ـ ٩٥ معجم المطبوعات العربية ١٢٨.
(٥) مرتبة (م).
(٦) خطأ (م).
(٧) حاشية خطبة القطبي أو حاشية على شرح القطب الرازي على شمسية القزويني لعلي بن محمد بن علي السيد الشريف الجرجاني (ـ ٨١٦ هـ / ١٤١٣ م) ، استانه ١٢٨٩ ه. معجم المطبوعات العربية ٦٧٩.
(٨) هو عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن أبي الإصبع العدواني البغدادي ثم المصري ، أبو محمد. ولد بمصر عام