ولم أر في الكلام مثل قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) (١) الآية ، فإنّ فيها عشرين ضربا من البديع وهي سبع عشرة لفظة. المناسبة التامة في ابلعي وأقلعي ، والاستعارة فيهما ، والطباق بين الأرض والسماء ، والمجاز في قوله يا سماء فإنّه في الحقيقة يا مطر ، والإشارة في وغيض الماء فإنّه عبّر به عن معان كثيرة لأن الماء لا يغيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع [الأرض] (٢) ما يخرج منها من عيون الماء فينتقص الحاصل على وجه الأرض من الماء ، والإرداف في واستوت ، والتمثيل في وقضي الأمر ، والتعليل فإنّ غيض الماء علّة الاستواء ، وصحة التقسيم فإنّه استوعب أقسام الماء حالة تغيّضه إذ ليس احتباس ماء السماء والماء النابع من الأرض وغيض الماء الذي يظهر على ظهرها ، والاحتراس في الدّعاء لئلاّ يتوهّم أنّ الغرق لعمومه مشتمل من لا يستحق الهلاك ، فإنّ عدله تعالى يمنع أن يدعو على غير مستحق ، وحسن النّسق ، وائتلاف اللفظ مع المعنى ، والإيجاز فإنه تعالى قصّ القصّة مستوعبة بأخصر عبارة ، والتسهيم لأنّ أول الآية تدل على آخرها ، والتهذيب لأنّ مفرداتها موصوفة بصفات الحسن ، وكلّ لفظة سهلة المخارج عليها رونق الفصاحة مع الخلوّ من البشاعة وعقادة التركيب ، وحسن البيان من جهة أنّ السامع لا يتوقف في فهم المعنى ولا يشكل عليه شيء منه ، والتمكين لأنّ الفاصلة مستقرّة في محلها مطمئنة في مكانها غير قلقة ولا مستدعاة ولا انسجام. وزاد صاحب الإتقان أنّ فيها الاعتراض أيضا. وفي جامع الصنائع (٣) ومجمع الصنائع (٤) ما هو قريب منه حيث وقع فيهما (٥) إبداع. والاختراع هو إيجاد المعاني والتشبيهات الجديدة ، وصناعة الأشياء المبتكرة.
والكلام المشتمل على مثل هذه المعاني والتشابيه يسمّى بديعا ومخترعا (٦).
الإبدال : [في الانكليزية] Substitution ـ [في الفرنسية] Substitution
بكسر الهمزة بدل كردن والتبديل مثله.
وقيل التبديل تغيير الشيء عن حاله ، والإبدال جعل شيء مكان آخر ، هكذا في بعض كتب اللغة. وقد عرفت معناه عند الصرفيين وأهل العربية وكذا عند النحاة منهم فإنّ حاصل معناه إيراد الشيء بدلا عن شيء سواء كان ذلك الشيء المبدل حرفا أو كلمة. وأما معناه عند المحدّثين فهو أن يبدل راو براو آخر أو إسناد بإسناد آخر من غير أن يلاحظ معه تركيب بمتن آخر ، كما يستفاد من شرح شرح النخبة (٧) ،
__________________
٥٩٥ هـ / ١١٩٨ م وفيها توفي عام ٦٥٤ هـ / ١٢٥٦ م. عالم بالأدب ، له تصانيف حسنة. الاعلام ٤ / ٣٠ ، فوات الوفيات ١ / ٢٩٤ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٣٧ ، شذرات الذهب ٥ / ٢٦٥ ، حسن المحاضرة ١ / ٥٦٧ ، معاهد التنصيص ٤ / ١٨٠.
(١) هود / ٤٤.
(٢) [الأرض] (+ م).
(٣) جامع الصنائع : لحاذق الملك محمد كاظم بن حكيم حيدر التستري الدهلوي (ـ حوالي ١١٤٩ هـ) GALS ,II ، ٧٢٦.
(٤) مجمع الصنائع في علم البلاغة لنظام الدين أحمد بن محمد صالح الحسيني الهندي كان يعيش في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري. والكتاب فارسي. إيضاح المكنون ١ / ٤٣٤.
(٥) فيها (م).
(٦) واختراع آنست كه معاني وتشبيهات نو انگيزد وچيزهاى نو أز صنائع وغيره انگيخته خود پيدا كند واين كلام كه مشتمل بر چنين معاني وتشبيهات است اين را بديع ومخترع نامند.
(٧) من شروح شرح النخبة ، المعروف بنزهة النظر في توضيح نخبه الفكر لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ـ ٨٥٢ هـ) الذي شرح فيه كتاب نخبه الفكر في مصطلح أهل الأثر. شرح لعبد الرءوف المناوي الحدادي (ـ ١٠٣١ هـ / ١٦٢١ م) ويعرف باليواقيت والدرر ، وشرح آخر لعلي بن سلطان محمد الهروي القاري (ـ ١٠١٤ هـ / ١٦٠٥ م) سمّاه مصطلحات أهل الأثر على شرح نخبه الفكر. كشف الظنون ٢ / ١٩٣٦.