محالة إلى نفسه ، المطيع لربّه ؛ كما قال : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) (١) فأثر برّه يرجع إلى نفسه ، فتلتذّ بما هو من قضيّة البرّ من الذكر الحسن الرفيع ، والفوز بحقائق العرفان.
وبأنّ من عدا الأبرار ـ الّذين لا يعصون الله في أمره ونهيه ـ داخل في زمرة الكفّار ، معذّب بعذابهم ، وإن كان في صورة المؤمنين والمسلمين ؛ كما قال (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (٢).
والفجّار من يعمل الفجور مسلما كان أو كافرا ، إلّا أن المسلم ينجو من العذاب بالتوبة والشفاعة على مذهب الإماميّة ، ولا دليل للوعيديّة الّذين حكموا بخلود العاصي في النار ، والتفصيل لا مقام له.
وممّا يدلّ على ما ذكرناه من أنّ الفاجر مطلقا داخل في زمرة الكفّار : قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ * تَرْهَقُها قَتَرَةٌ * أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (٣) حيث قسّم الوجوه بهذين القسمين ، وحكم بكفر الفرقة الثانية. فتأمّل.
فالكافر هو الّذي لم يكن بارّا بالشكر الّذي هو الطرف المذكور وإن كان مسلما ، فإنّ المسلم العاصي كافر بنعمة الله ، واضع ما جعله الله في غير موضعه.
فكفران النعمة أحد وجوه الكفر ومعانيه ؛ كما يدلّ عليه ما روي عن أبي
__________________
(١) لقمان : ١٢.
(٢) الانفطار : ١٣ ـ ١٤.
(٣) عبس : ٣٨ ـ ٤٢.