وقال تعالى يذكر إبليس وتبرّأه من أوليائه من الإنس يوم القيامة : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) (١).
وقال : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (٢) يعني يتبرّأ بعضكم من بعض. انتهى.
الرابعة : في تغيير النظم حيث عبّر عمّا أعدّ للكافرين بقوله : (إِنَّا أَعْتَدْنا) ... إلى آخره وعمّا أعدّ للمؤمنين بقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ) ... إلى آخره إشعار بكمال المباينة بين الفريقين وعدم المناسبة بينهما بوجه ؛ إذ المباينة النظميّة مشعرة بالمباينة المصداقية ، وفي التعبير بقوله (يَشْرَبُونَ) المضارع المحتمل للحال والاستقبال إشعار بأنّ المؤمنين العارفين بحقائق التوحيد ؛ كما يلتذّون بحقائق معارفهم في الآخرة.
كذلك يلتذّون بها في دارهم الدنيا هذه ، فهم فائزون برحمة الحقّ في جميع الحالات والتحوّلات والتطوّرات في كلّ حال بحسب ما يقتضيه ويناسبه ، ففي الدنيا يلتذّون بحلاوة العلم والعرفان ، فإنّ لهما لذّات روحانيّة يدركها الفائز بها ، وفي الآخرة يلتذّون بما يتشكّل من العلم والعرفان وما عملوه صالحا ، فإنّ كلّ ذلك له حقيقة واقعيّة تتجسّد في يوم تبلى السرائر على صورها ؛ كما قال : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) (٣).
__________________
(١) إبراهيم : ٢٢.
(٢) العنكبوت : ٢٥.
(٣) آل عمران : ٣٠.