الرتبة ، وعلاماتهم الّتي بها سمّوا بالأبرار على الحقيقة ، ليميّز الأبرار عن الفجّار ، والأخيار عن الأشرار ، ولئلّا يدّعي كلّ أحد الفوز بحقائق الأسرار ، ومراتب الأخيار ، فإنّ لكلّ حقيقة وصف تعرف هذه به ، ولكلّ معنى صورة تستدلّ بها عليه ، ولكلّ مسمىّ اسم ينبأ به عنه.
ولا ريب أنّ الحقيقة والمعنى والمسمّى هي الباعثة على الاسم والصورة والوصف ، بمعنى أنّ تلك الأمور لا بدّ من أن يعرفها كلّ محتاج إليها لتسهل الإشارات والمكالمات والخطابات ، ولا تعرف غالبا إلّا بالأمور اللفظيّة الّتي تدلّ عليها ، وتنبأ عن آثار هويّتها ؛ إذ لولاها لانسدّ باب التفهيم والتفهّم ، والتعريف والتعرّف ، وليست تلك الألفاظ والأسماء مغيّرة للحقائق إذا استعملت في غير مسمّياتها الأصليّة اللائقة ، ألا ترى إنّك لو سمّيت الخلّ بالعسل لا يغيّر حقيقة الخلّ وصفته الّتي هي الحموضة إلى حقيقة العسل وصفته الّتي هي الحلاوة ، فلا تأثير للاسم في الحقيقة الذاتيّة أصلا ، وإنّما شأنه الدلالة على الحقيقة أو وصفها ، وهي أمر اعتباريّ لا يؤثّر في شيء ، ولا يغيّر شيئا ، ولا مدخل له في الوصف الواقعيّ الّذي للحقيقة ، بل الحقيقة بوصفها ثابتة محقّقة في نفس الأمر سواء وضع لها اسم يدلّ عليها أم لا ، لما عرفت من أنّ وضع الاسم إنّما هو للتعريف لا للتحقيق والتكوين.
بمعنى أن يكون تحقّق الحقيقة بالاسم ، كيف والاسم مغاير للمسمّى تغايرا كلّيّا لا رابطة بينهما إلّا في صرف الدلالة المقتضية للدالّ والمدلول ، كيف والاسم حروف يتلفّظ بها اللافظ ، فهي غير مستقلّة في أنفسها محتاجة في تحقّقها إلى اللّافظ بها ، والمسمّى هويّة صرفة مستقلّة في حدّ ذاتها غير