وهذا هو الكشف الأكمل الّذي تسمّيه الصوفيّة بالكشف المعنويّ ، ويقابله الكشف الصوريّ ، وهو إمّا بالمشاهدة العيانيّة ؛ كما قال صلّى الله عليه وآله : رأيت ربّي في أحسن صورة ، فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمّد؟ قلت : أنت أعلم أي ربّ ـ مرّتين ـ فوضع الله كفّه بين كتفيّ ، فوجدت بردها بين ثدييّ ، فعلمت ما في السماوات وما في الأرض ، ثمّ تلا هذه الآية : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) ... (١) (٢) أو بالسماع أو باللمس أو بالشمّ ، وهنا تفاصيل مذكورة في كتب الصوفيّة.
الخامسة : المراد بالحكم الّذي أمر بالصبر له هو التجلّيات الواردة على القلب ، والإفاضات الروحانيّة الّتي ترد عليه ، أي تحمل لما يرد على قلبك من الأنوار الشعشعانيّة.
والمراد أنّه تعالى لقد أعطاه تلك الطاقة ، فلو لا ذلك لما كان متحمّلا لقبول تجلّيات الأنوار القدسانيّة الّتي تضمحلّ بورودها هويّات كلّ شيء ، وتتلاشى بهجومها تعيّنات كلّ شيء. أما ترى إلى الجبل كيف دكّ من تجلّي نور الحقّ ، وإلى موسى كيف خرّ صعقا من ذلك ؛ كما قال : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) ... (٣) إلى آخره.
ويحتمل أن يكون المراد بالصبر للحكم ترغيبه في طيّ المنازل الّتي
__________________
(١) الأنعام : ٧٥.
(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ٣ : ٢٢٦.
(٣) الأعراف : ١٤٣.