الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) (١).
وفي التعبير عن تلك الهداية بالتذكرة إشارة إلى ما هو المقرّر في مقامه من أنّ النفوس الإنسانيّة كانت من أوّل الأمر صافية عن الكدورات والغفلات ، عارفة بطريق الخير والشرّ ، وبأنّ الخير هو الّذي ينبغي الاشتغال به ، والشرّ هو الّذي ينبغي الإعراض عنه ، ولكن كدّرها التوجّهات والتعلّقات الدنيويّة ، فأنستها ذلك العرفان حتّى جهلت مصالحها ومفاسدها ، وضلّت عن طريق هدايتها.
فإذا دعاها داع إلى الحقّ بالمواعظ والنصائح ، والتأديبات الأخلاقيّة ، والتعليمات الذوقانيّة ؛ كانت تلك الدعوة تذكرة لها بما كانت به عارفة ، فنسيته بكثرة التعلّقات ، وهجوم أغبرة التوجّهات ؛ كما قال : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) (٢) أي بأيّام عهد الله ، وأخذ ميثاقه عليهم.
وهذا هو السرّ في استعدادها لإدراك المعارف الحقّانيّة ، والعلوم الربّانيّة بعد التعلّم من أولي الألباب الصافية ؛ إذ لو لم تكن مسبوقة بالهداية الأوّليّة لما كانت متذكّرة بتلك الهداية في لاحق الأمر.
فهذه المعارف والحقائق فطريّة مكنونة في فطر الناس ؛ كما قال : كلّ مولود ولد على فطرة التوحيد. أي الهداية ، إلّا أنّ السبب لبروزها وظهورها ليس إلّا المجاهدة والسعي في تحصيلها بالاتّعاظ بالمواعظ الإلهيّة ، والاستماع للكلمات الربّانيّة ، ليتذكّر بتلك التذكرة ، ويتبصّر بهذه التبصرة.
__________________
(١) الروم : ١٥ ـ ١٦.
(٢) إبراهيم : ٥.