تحقيقه ـ ولو كان بعيدا عن الجمعة بحيث لا يسمع النداء ، إلّا أنّه إذا وقع البيع لا يدرك الجمعة أو يظنّ ذلك ، يحرم عليه أيضا ، للعلّة المذكورة ، ولو كان أحد المتبايعين مخاطبا بالجمعة دون الآخر يحرم على المخاطب جزما ، وأمّا الآخر ، فقيل بأنّه يكره عليه (١) ، وقيل بالتحريم عليه أيضا ، للنهي عن معاونة الإثم (٢).
وهل يصحّ هذا البيع الحرام أم يبطل؟ المشهور الأوّل ، لأنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد.
وفيه ، أنّه وإن كان لا يقتضي الفساد فيها ، إلّا أنّ الصحّة فرع دليل يدلّ عليها ، لأنّها عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي ، فلو لم يرد نهي عن معاملة ولا يكون لها ما يقتضي الصحّة تكون فاسدة جزما ، فكيف إذا ورد النهي عنها أيضا؟
قيل : الدليل أنّه عقد صدر عن أهله في محلّه ، فيجب الوفاء به ، لعموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقد اللازم (٣).
وفيه ، أنّ وجوب الوفاء شرعا بما هو حرام شرعا والواجب شرعا أن لا يكون ولا يتحقّق ، لعلّه من قبيل المتناقضات بحسب فهم العرف ، وكونه داخلا في عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) محلّ تأمّل ، فإنّ الإعانة في الإثم حرام شرعا قطعا ، فكيف يوجب الشرع الوفاء بالإثم ولا يجوز تركه أصلا؟
وممّا ذكر ظهر أنّه ليس داخلا في عموم (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٥) ، لأنّ الحرام لا يمكن أن يكون حلالا عند الشيعة ، ولذا قالوا بعدم جواز اجتماع الأحكام
__________________
(١) قاله الشيخ في المبسوط : ١ / ١٥٠.
(٢) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٤ / ١٥٣ و ١٥٤.
(٣) مدارك الأحكام : ٤ / ٧٧.
(٤) المائدة (٥) : ١.
(٥) البقرة (٢) : ٢٧٥.