يكون مخصّصا للآخر ، فلا بدّ في ترجيح مخصّصية أحدهما من مرجّح ، والرجحان في طرف الآية ، لقوّة السند والمتن ، واتّفاق الفتوى والعمل (١).
وهذا الاعتراض أيضا ليس بشيء ، إذ يظهر بالتأمّل أنّ التعارض بينهما من باب العموم والخصوص المطلقين ، لأنّ المستفاد من الآية عدم قبول خبر الفاسق من جهة احتمال كذبه وعدم الوثوق بقوله ، إذ لعلّه يكذب على ما يشير إليه التعليل المذكور فيها ، وهو قوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) (٢).
ويظهر من هذه الأخبار أنّ الكذب غير مضرّ في نقل الثواب على عمل بأنّه تعالى يعطي الثواب وإن كان الحديث كذبا ، وأيضا لو كان قبول نقل الثواب مشروطا بكونه من العادل ـ كغيره من الأحكام الشرعيّة ـ فلعلّه لم يبق لهذه الأخبار فائدة ، مع أنّك عرفت أنّ الفقهاء الفحول فهموها بالاتّفاق ، كما فهمنا ، وحسبك هذا.
فإن قلت : ما ذكرت لا يتمّ في جميع موارد مسامحاتهم ، لأنّ الاحتياط والتجنّب عن الريبة والضرر ، إنّما يكون فيما احتمل في تركه الضرر ، مثل أن يرد بلفظ الأمر أو النهي وأمثالهما ممّا يدلّ على الضرر والحظر ، وأمّا الأخبار ، فالمتبادر منها ما إذا ذكر الثواب صريحا لا التزاما.
قلت : الاحتياط كما يتحقّق في دفع الضرر ، كذا يتحقّق في جلب المنفعة ، ولا تأمّل في تحقّقه بالنسبة إلى الدينار ، بل الدرهم ، بل وأدون منهما بحسب العرف والعقل ، وثواب الله أعظم ، ثمّ أعظم بمراتب لا تحصى ، سيّما والحسنات يذهبن السيّئات.
__________________
(١) الدرر النجفيّة : ٢٢٨.
(٢) الحجرات (٤٩) : ٦.